قوله تعالى ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم سبحانه بإحاطة العلم بالخفايا والظواهر في الإخبار بالرسالة، عينها في قوله جواباً لمن يقول : من الرسول المنوه باسمه :﴿محمد رسول الله﴾ أي الملك الذي لا كفوء له، فهو الرسول الذي لا رسول يساويه لأنه رسول إلى جميع الخلق ممن أدرك زمانه بالفعل في الدنيا ومن تقدمه بالقوة فيها وبالفعل في الآخرة يوم يكون الكل تحت لوائه، وقد أخذ على الأنبياء كلهم الميثاق بأن يؤمنوا به إن أدركوه، وأخذ ذلك الأنبياء على أممهم، لا يكتب الرحمة التي وسعت كل شيء إلا لمن وقع العلم بالمحيط بإنه يؤمن به، فما عمل عامل عملاً صالحاً إلا كان له مثل أجره، تقدم ذلك العامل أو تأخر، كان من أهل السماء أو من أهل الأرض، وهذا أمر لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى، وأشار بذلك إلى هذا الاسم بخصوصه في سورة محمد إلى أنه ـ ﷺ ـ هو الخاتم - بما أشارت إليه الميم التي مخرجها ختام المخارج، وهي محيطة بما أشارة إليه صورته، وكررت في الاسم بعده غاية التأكيد، وهو ثلاث - كما أشار إليه اسمه : أحمد - إلى أنه مع كونه خاتماً فهو فاتح بما أشار إليه قوله ـ ﷺ ـ " كنت أولهم خلقاً وآخرهم بعثاً " واختصت به سورة الصف ليعادل ذلك بتصريح المبشر به عليه الصلاة والسلام بالبعدية في قوله ﴿برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ [ الصف : ٦ ] وأشارت الميم أوله أيضاً إلى بعثه عند الأربعين، وما بقي من حروفه وهي حمد يفيد له كمال الحمد بالفعل في السنة الثانية والخمسين من عمره وهي الثانية عشرة من نبوته ببيعة الأنصار ـ رضى الله عنه ـ م، وقد أشارت هذه السورة إلى كلمة الإخلاص تلويحاً مما ذكرت من كلمة الرسالة تصريحاً وبطنت سطوة الإلهية وظهرت الرحمة المحمدية - كما أشارت القتال إلى الرسالة تلويحاً وصرحت بسطوة الإلهية بكلمة الإخلاص والناشئة عن القتال تصريحاً، وقد تقدم في القتال نبذة من أسرار الكلمتين.