قوله تعالى ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا موضع الإقبال على تدبر مواعظ القرآن، وكان ثمود أعظم وعظ كان بعد عاد لما في صيحتهم الخارجة عن العهود من تصوير الساعة بنفختيها المميتة ثم المحيية، وقال مؤنثاً فعلهم إشارة إلى سفول هممهم وسفول فعلهم معلماً أن من كذب هلك - على طريق الجواب لمن لعله يقول استبعاداً لتكذيب بعد ما جرى في القصتين الماضيتين من التعذيب :﴿كذبت ثمود﴾ أي قوم صالح ﴿بالنذر﴾ الإنذارات والمنذرين كلهم لأنهم شرع واحد، ثم علل ذلك وعقبه بقوله معلماً بالضمير أن المباشر بهذا الكفر رجالهم لئلا يظن أنهم نساء فقط :﴿فقالوا﴾ منكرين لما جاءهم من الله غاية الإنكار :﴿أبشراً﴾ إنكاراً لرسالة هذا النوع ليكون إنكار النبوة إنكاراً لنبوة نبيهم على أبلغ الوجوه، وأعظم الإنكار بقولهم مقدمين عدم الانفراد عنهم لخصوصيته :﴿منا﴾ أي فلا فضل له علينا فما وجه اختصاصه بذلك من بيننا، وزادوا ذلك تأكيداً فقالوا :﴿واحداً﴾ أي ليس معه من يؤيده، ثم فسر الناصب لقوله :﴿بشراً﴾ بقوله :﴿نتبعه﴾ أي نجاهد نفسنا في خلع مألوفنا وخلاف آبائنا والإقرار على أنفسنا بسخافة العقل والعراقة في الجهل ونحن أشد الناس كثرة وقوة وفهماً ودراية، ثم استنتجوا عن هذا الإنكار الشديد قولهم مؤكدين الاستشعار بأن كلامهم أهل لأن يكذب :﴿إنا إذاً﴾ أي إن اتبعناه ﴿لفي ضلال﴾ أي ذهاب عن الصواب محيط بنا ﴿وسعر﴾ أي تكون عاقبتنا في ذلك الضلال الكون في أوائل أمر لا ندري عاقبته، فإنه لم يجرب ولم يختبر ولم يمعن أحد قبلنا سلفاً لنا فيجرنا ذلك إلى جنون وجوع ونار كما يكون من يأتوه في القفار في أنواع من الحر بتوقد حر الجبال وحر الضلال وحر الهموم والأوجال - وذلك من النار التي توعدنا بها، وهو معنى تفسير ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ له بالعذاب، وجعل سفيان بن عيينه له جمع سعير، والمعنى إنا نكون إذا اتبعناك كما تقول جامعين بين الضلال والعذاب بسائر أنواعه.


الصفحة التالية
Icon