قوله تعالى ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا وعظاً شافياً لسقام القلوب، وكاشفاً لغطاء الكروب، انتج قوله حاثاً على الإقبال على كتابه الذي رحم به عباده بإنزاله على لسان نبيه ـ ﷺ ـ على وجه معلم بإعجازه أنه كلام مستعطفاً لهم إلى جنابه زاجراً لهم عما سألهم بعضهم فيه سلمان ـ رضى الله عنه ـ من أن يحدثهم عن التوراة والإنجيل، فكانوا كلما سألوه عن شيء أنزل سبحانه آية يزجرهم بها وينبههم على أن هذا القرآن فيه كل ما يطلب إلى أن أنزل هذه الآية زاجرة هذا الزجر العظيم لئلا يظن ظان أن القرآن غير كاف، مخوفاً لهم بما وقع لأهل الكتاب من الإعراض عن كتابهم، قال الكلبي نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وقال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال :﴿ألم يأن﴾ أي يحن وينتهي ويدرك إلى غاية ﴿للذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان بألسنتهم صدقاً أو كذباً ﴿أن تخشع﴾ أي أن يكون لهم رتبة عالية في الإيمان بأن تلين وتسكن وتخضع وتذل وتطمئن فتخبت فتعرض عن الفاني وتقبل على الباقي ﴿قلوبهم لذكر الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا خير إلا منه فيصدق في إيمانه من كان كاذباً ويقوى في الدين من كان ضعيفاً، فلا يطلب لذلك دينه دواء ولا لمرض قلبه شفاء في غير القرآن، فإن ذكر الله يجلو أصداء القلوب ويصقل مرائيها.