قوله تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم ما حثهم على التأسي فيه بذكر أعظم آبائهم لأن دواعي الإنسان إلى المداراة عما يخاف عليه من أقاربه وآله وجميع أحواله عظيمة جداً إن كان المدارأ عظيماً لا سيما إن كان قد تقدم له صداقة وبه ألفة، فكان جديراً بعد الوعظ والتأسية أن يبقى عنده بقايا ولا سيما والناس متفاوتون، منهم من يرده أيسر وعظ ومنهم من يحتاج إلى أكثر من ذلك أعاد التأسية تأكيداً لها على وجه بلغ الذروة من جمال الترغيب وجلال الترهيب، وليكون فيها أتم دلالة على أن ما بينهما من قول إبراهيم عليه السلام المأمور بالتأسي به من الدعاء وغيره إلا ما استثنى لتشتد الرغبة فيه، فقال مصدراً بما دل على القسم إشارة إلى أن من فعل غير هذا كان فعله فعل منكر لحسن هذا التأسي، ولذلك ذكر الفعل الذي أنثه في الأول :﴿لقد كان لكم﴾ أي أيها الذين ادعوا الإيمان، وقدم الظرف بياناً للاهتمام به فقال :﴿فيهم﴾ أي إبراهيم عليه السلام ومن معه ﴿أسوة حسنة﴾ وأبدل من ﴿لكم﴾ ما هو الفيصل في الدلالة على الباطل، فقال مشيراً إلى أن من لم يتأس بهم في هذا لم يكن راجياً لما ذكر :﴿لمن كان﴾ أي جبل على أنه ﴿يرجوا الله﴾ أي الملك المحيط بجميع صفات الكمال فهو ذو الجلال الذي يجير ولا يجار عليه، والإكرام الذي هو جدير بأن يعطى جميع ما يسأله ﴿واليوم الآخر﴾ الذي يحاسب على، النقير والقطمير، ولا تخفى عليه خافية، فمن لم يتأس بهم كان تركه للتأسي دليلاً على سوء عقيدته، فلا يلومن إلا نفسه، فقد أذن لإمام المسلمين إن عثر عليه في عقوبته، فإن علم الغيب الذي أعلمناه نبينا ـ ﷺ ـ بأن حاطباً ـ رضى الله عنه ـ صحيح العقيدة غير متأهل للعقوبة منقطع بموته ـ ﷺ ـ ولا يبقى إلى ما نصبناه من الشعائر، وأقمناه من الدلائل.