قوله تعالى ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير إعلاماً بأنهم أظلم الناس لتعمدهم للكذب : فمن أظلم منهم لتهتكهم في ذلك، عطف عليه قوله :﴿ومن أظلم﴾ وعم كل من اتصف بوصفهم فقال :﴿ممن افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله﴾ أي الملك الأعلى ﴿الكذب﴾ الذي هو أقبح الأشياء ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿يدعى﴾ أي من أي داع كان ﴿إلى الإسلام﴾ الذي هو أحسن الأشياء فيكفي في الدعاء إليه أدنى تنبيه لأنه الاعتراف بالحق لمن هو له، فيجعل مكان الإجابة افتراء الكذب في تلك الحالة الحسنى.
ولما كان التقدير : فهو لا يهديه الله لأجل ظلمه، عطف عليه قوله :﴿والله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه ﴿لا يهدي القوم﴾ أي لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المحاولة للأمور الصعاب ﴿الظالمين﴾ أي الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام.
ولما أخبر عن ردهم للرسالة، علله بقوله :﴿يريدون﴾ أي يوقعون إرادة ردهم للرسالة بافترائهم ﴿ليطفئوا﴾ أي لأجل أن يطفئوا ﴿نور الله﴾ أي الملك الذي لا شيء يكافيه ﴿بأفواههم﴾ أي بما يقولون من الكذب لا منشأ له غير الأفواه لأنه لا اعتقاد له في القلوب لكونه لا يتخيله عاقل، فهم في ذلك كالنافخين في الشمس إرادة أن يمحو نفخهم عينها وينقص شينهم زينها، فمثل إرادتهم لإخفاء القرآن بتكذيبهم وجميع كيدهم بمن يريد إطفاء الشمس بنفخه فهو في أجهد وأضل الضلال :
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها...
ويجهد أن يأتي لها بضريب
فأفاد قصر الفعل أن إرادتهم كلها مصروفة لهذا الغرض وأنه لا إرادة لهم غير ذلك وأنه لا ينبغي أن يكون لهم إرادة لأنهم عبيد، والإرادة لا ينبغي إلا للسيد ليكون إرادة العبد تابعة لها، فتكون امتثالاً لإرادته، فكأنه لا إرادة له، فهو أبلغ مما في براءة لأن هذه نتيجتها.


الصفحة التالية
Icon