قوله تعالى ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
( بسم الله ) الذي أحاط علمه بكل معلوم فتم بيانه ( الرحمن ) الذي عمت نعمة بيانه بعد شمول كرامة إيجاده فهو العظيم شأنه ( الرحيم ) الذي خص حزبه بالتوفيق لما يرضاه فثبت فيي سويداء كل منهم حبه له وإيمانه به.
ولما ختمت الصف بالإقبال ببعض بني إسرائيل على جنابه الأقدس بعد أن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم كلهم أو الشاذ منهم بما أفهمه إطلاق الضمير عليهم ثم تأييدهم على من استمر منهم على الزيغ، فثبت أن له تمام القدرة المستلزم لشمول العلم اللازم منه التنزه عن كل شائبة نقص، وكان سبحانه قد ذكر التسبيح الذي هو الأعظم الأشهر للتنزيه بلفظ الماضي ثلاث مرات في افتتاح ثلاث سور، وذلك نهاية الإثبات المؤكد، فثبت بذلك أنه وقع تنزيهه من كل ناطق وصامت، أخبر أول هذه السورة أن ذلك التنزيه على وجه التجديد والاستمرار بالتعبير بالمضارع لاستمرار ملكه فقال :﴿يسبح﴾ أي يوقع التنزيه الأعظم الأبهى الأكمل ﴿لله﴾ أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، وأكد بذلك لما في التغابن ولم يحتج بعد الإقرار بالوقوع على هذا الوجه إلى التأكيد بأكثر من مرة وجعل بين كل مسبحتين سورة خالية من ذلك ليكون ذلك أدل على قصد التأكيد من حيث شدة الاعتناء بالذكر، وإن وقع فصل ويكون التأكيد أكثر تنبيهاً وأعظم صدعاً وتذكيراً.


الصفحة التالية
Icon