قوله تعالى ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدم والتأخر بالأفعال، وكان أكثر أفعال الإنسان الشر لما جبل عليه من النقصان، قال مبيناً لما يقدم وما يؤخر ﴿كل نفس﴾ أي ذكر أو أنثى على العموم ﴿بما كسبت﴾ أي خاصة لا بما كسب غيرها ﴿رهينة﴾ أي مرتهنة بالفعل، اسم بمعنى.
الرهن كما في قول الحماسي :
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب...
رهينة رمس ذي تراب وجندل
لا تأنيث " رهين " الذي هو وصف، لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي مذكره ومؤنثه، ولو كانت الفواصل التي يعبرون بها عن السجع تأدباً تراعى في القرآن بوجه لقيل : رهين - لأجل يمين، ولكن لا نظر فيه لغير المعنى، ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة بمعنى موثقة إيثاقاً بليغاً محبوسة حبساً عظيماً فهي في النار، فجعل الأصل في الكسب الموثق.
ولما كان الرهن تارة يفك وتارة يغلق، وكان أكثر الخلق هالكاً، جعل رهينة بمعنى هالكة، ثم استثنى الممدوح فقال :﴿إلا أصحاب اليمين﴾ أي الذين تقدم وصفهم وهم الذين تحيزوا إلى الله فائتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه، فإنهم لا يرتهنون بأعمالهم، بل يرحمهم الله فيقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم.


الصفحة التالية
Icon