قوله تعالى ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (١٠) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (١٣) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت الأنفس مجبولة على حب الجزاء والثناء، فكان لا يكاد يصدق أحد أن أحداً يفعل ما لا يقصد به شيئاً من ذلك، وكان الله سبحانه وتعالى قد منَّ علينا بأن جعل العبادة لأجل خوفه ورجائه لا يقدح في الإخلاص، عللوا قولهم هذا على وجه التأكيد بقولهم :﴿إنا نخاف﴾ ولما كان الخوف من المحسن بالنظر إلى إحسانه موجباً للخوف منه بالنظر إلى عزه وجبروته وسلطانه من باب الأولى قالوا :﴿من ربنا﴾ أي الخالق لنا المحسن إلينا ﴿يوماً﴾ أي أهوال يوم هو - في غاية العظمة، وبينوا عظمته بقولهم :﴿عبوساً﴾ أي ضيقاً - قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ، نسبوا العبوس إليه لأنه في شدته كالأسد الغضوب، فهو موجب لعبوس الوجوه فيه أو هو لعبوس أهله ك " ليله قائم ونهاره صائم وعيشة راضية " ﴿قمطريراً﴾ أي طويلاً - قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ، أو شديد العبوس مجتمع الشر كالذي يجمع ما بين عينيه - مأخوذ من القطر لأن يومه يكون عابساً، وزيد فيه الميم وبولغ فيه بالصيغة، وهو يوم القيامة، يقال : اقمطر اليوم فهو مقمطر - إذا كان صعباً شديداً.


الصفحة التالية