قوله تعالى ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الواقع بعد الفصل قرار كل في داره، وكان قد بدأ بالمكذبين لأن التحذير في السورة أعظم ففصلهم عن المصدقين فقال : انطلقوا - إلى آخره، ثنى بأضدادهم الفريق الناجي المشار إليه في آخر الإنسان بقوله تعالى :﴿يدخل من يشاء في رحمته﴾ [ الإنسان : ٣١ ] فقال مؤكداً لأجل تكذيب الكفار بتلك الدار وبأن يكون المؤمنون أسعد منهم :﴿إن المتقين﴾ أي الذين كانوا يجعلون بينهم وبين كل ما يغضب الله وقاية مما يرضيه لعراقتهم في هذا الوصف يوم القيامة ﴿في ظلال﴾ هي في الحقيقة الظلال لا كما تقدم من ظل الدخان، ولا يشبهها أعلى ظل في الدنيا ولا أحسنه إلا بالاسم، ودل على أنها على حقيقتها بقوله :﴿وعيون﴾ لأنها تكون عنها الرياض والأشجار الكبار كما دل على أن ذلك الظل المتشعب للتهكم بما ذكر بعده من أوصاف النار، فهذه العيون تبرد الباطن وتنبت الأشجار المظلة كما أن اللهب يحرّ الظاهر والباطن ويهلك ما قرب منه من شجر وغيره فلا يبقى ولا يذر.
ولما ذكر العيون، أتبعها ما ينشأ عنها فقال دالاً على أن عيشهم كله لذة :﴿وفواكه﴾ ولما كان يوجد في فواكه الدنيا الدون، قال دالاً على أن عيشهم كله لذة وأنه ليس هناك دون :﴿مما يشتهون﴾ أي الرغبة.


الصفحة التالية
Icon