قوله تعالى ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ردعه بعد تفصيل ما له في نفسه من الآيات، وأشار إلى ما له من النقائص، شرع يقيم الدليل على تقصيره بأنه لا يقدر على شكر نعمة المنعم فيما له من المطعم الذي به قوامه فكيف بغيرها في أسلوب دال على الإنشار بآيات الآفاق منبه على سائر النعم في مدة بقائه المستلزم لدوام احتياجه إلى ربه فقال مسبباً عن ذلك :﴿فلينظر الإنسان﴾ أي يوقع النظر التام على كل شيء يقدر على النظر به من بصره وبصيرته ومدّ له المدى فقال :﴿إلى طعامه﴾ يعني مطعومه وما يتصل به ملتفتاً إليه بكليته بالاعتبار بما فيه من العبر التي منها أنا لو لم نيسره له هلك.
ولما كان المقصود النظر إلى صنائع الله تعالى فيه.
وكانت أفعال الإنسان وأقواله في تكذيبه بالعبث أفعال من ينكر ذلك الصنع، قال سبحانه مفصلاً لما يشترك في علمه الخاص والعام من صنائعه في الطعام، مؤكداً تنبيهاً على أن التكذيب بالعبث يستلزم التكذيب بإبداع النبات وإعادته، وذلك في أسلوب مبين أن الإنسان محتاج إلى جميع ما في الوجود، ولو نقص منه شيء اختل أمره، وبدأ أولاً بالسماوي لأنه أشرف، وبالماء الذي هو حياة كل شيء، تنبيهاً له على ابتداء خلقه :﴿أنّا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿صببنا الماء﴾ أي الذي جعلنا منه كل شيء حي ﴿صباً﴾ وثنى بالأرض التي هي كالأنثى بالنسبة إلى السماء فقال :﴿ثم﴾ أي بعد مهلة من إنزال الماء، وفاوتنا بينها في البلاد والنبات ﴿شققنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿الأرض﴾ بالنبات الذي هو في غاية الضعف عن شق أصعب الأشياء فكيف بالأرض اليابسة المتكزرة جداً عند مخالطة الماء، وحقق المعنى فقال :﴿شقاً﴾ ثم سبب عن الشق ما هو كالتفسير له مبيناً الاحتياج إلى النبات بقوله :﴿فأنبتنا﴾ أي أطلعنا على وجه الاتصال الموجب للتغذي والنمو ﴿فيها﴾ بسبب الشق ﴿حباً﴾ أي لاقتيات الإنسان وغيره من الحيوان كالحنطة والشعير والرز وغيرها.


الصفحة التالية
Icon