قوله تعالى ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت نتيجة حفظ الأعمال الجزاء عليها، أنتج ذلك بيان ما كانت الكتابة لأجله تفريقاً بين المحسن والمسيء الذي لا يصح في حكمة حكيم ولا كرم كريم غيره بقوله على سبيل التأكيد، لأجل تكذيبهم :﴿إن الأبرار﴾ أي العاملين بما هو واسع لهم مما يرضي الله جلت قدرته ﴿لفي نعيم﴾ أي محيط بهم لا ينفك عنهم ولا ينفكون عنه أصلاً في الدنيا في نعيم الشهود، وفي الآخرة في نعيم الرؤية والوجود في هذه الدار معنىً وفي الآخرة حساً، فكل نعيم في الجنة لهم من المنح الآجلة فرقائقه في هذه الدنيا لهم عاجلة ﴿وإنّ الفجار﴾ أي الذي شأنهم الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه من رضا الله إلى سخطه ﴿لفي جحيم﴾ أي نار تتوقد غاية التوقد يصلون بها جحيم العقوبة الفظيعة كما كانوا في الدنيا في جحيم البعد والقطيعة.
ولما كان السياق للترهيب، وصف عذاب الفجار فقال :﴿يصلونها﴾ أي يغمسون فيها كالشاة المصلية فيباشرون حرها ﴿يوم الدين﴾ أي الجزاء على الأعمال المضبوطة على مثاقيل الذر.
ولما كان العذاب على ما نعهده لا بد أن ينقضي، بين أن عذابه على غير ذلك فقال :﴿وما﴾ أي والحال أنهم ما ﴿هم عنها﴾ أي الجحيم ﴿بغائبين﴾ أي بثابت لهم غيبة ما عنها في وقت ما، بل هم فيها خالدون جزاء لأعمالهم وفاقاً وعدلاً طباقاً حتى الآن في دار الدنيا وإن كانوا لا يحسون بها إلا بعد الموت لأن الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.
ولما علم أن الوعيد الأعظم يوم الدين، هول أمره بالسؤال عنه إعلاماً بأنه أهل لأن يصرف العمر إلى الاعتناء بأمره والسؤال عن حقيقة حاله سؤال إيمان وإذعان لا سؤال كفران وطغيان، ليكون أقعد في الوعيد به فقال :﴿وما أدراك﴾ أي أعلمك وإن اجتهدت في طلب الدراية به ﴿ما يوم الدين﴾ أي أيّ شيء هو في طوله وأهواله وفظاعته وزلزاله.


الصفحة التالية
Icon