قوله تعالى ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أنكر عليه سبحانه وتعالى هذه النقائص قرره على ما أوجب شهوته الحسية المتفرعة إلى أنواع بما يستلزم أن يكون فاعله له المانّ عليه به من بعض فيضه، عالماً بجميع أمره قادراً على نفعه وضره بنفسه وبمن أراد من جنده، فقال مشيراً إلى ما يترتب على نظر العين الباصرة الجائلة في العالم الحسي ونظر عين البصيرة الجائلة في العالم المعنوي من شهوته أن يحصل على كل ما يراه بعين باصرته ويعلمه بعين بصيرته من مليح، ويخلص من كل ما يراه من قبيح، ومذكراً له بما كان يجب عليه من الشكر باستعمال هذه المشاعر فيما شرع له وكفها عما منع الله منه :﴿ألم نجعل﴾ أي بما لنا من العظمة التي لا يمكن أحداً أن يضاهيها ولا يقرب منها ﴿له عينين﴾ يبصر بهما وإلا لتعطل عليه أكثر ما يريد، شققناهما وهو في الرحم في ظلمات ثلاثة على مقدار مناسب لا يزيد إحداهما على الأخرى شيئاً وقدرنا البياض والسواد أو الزرقة أو الشهلة أو غير ذلك على ما ترون، وأودعناهما البصر على كيفية يعجز الخلق عن إدراكها.
ولما قدره سبحانه على ما ينشأ عنه شهوتا تحصيل المليح ونفي القبيح، اتبع ذلك ما ينشأ عنه شهوتا الأمر والنهي وأنواع الكمالات الكمالية فقال :﴿ولساناً﴾ أي يترجم به عما في ضميره ﴿وشفتين﴾ أي يستران فاه ويعينانه على الأكل والشرب وعلى النطق بفصاحة وبلاغة على حد معلوم لا يبلغه غيره، فيجتمع له أمره ويصل إلى مقاصد جمة وأهوال مهمة، ولم يذكر السمع لأن الكلام يستلزمه، والمعنى : ألسنا قادرين بالقدرة التي جعلنا له بها ما ذكر على أن نجعل لغيره مثل ما جعلنا له وأكثر فيقاومه ويغلبه.


الصفحة التالية
Icon