لباب التأويل، ج ٢، ص : ٥١٠
سورة يوسف
وهي مكية بإجماعهم وهي مائة وإحدى عشرة آية وألف وستمائة كلمة وسبعة آلاف ومائة وستة وستون حرفا.
قال ابن الجوزي رحمه اللّه تعالى : وفي سبب نزولها قولان : أحدهما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال : لما أنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلاه عليهم زمانا فقالوا يا رسول اللّه لو حدثتنا فأنزل اللّه عز وجل اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث فقالوا يا رسول اللّه لو قصصت علينا فأنزل اللّه تعالى : الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إلى قوله تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ.
القول الثاني : رواه الضحاك عن ابن عباس قال : سألت اليهود النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا حدثنا عن أمر يعقوب وولده وشأن يوسف فأنزل اللّه عز وجل الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الآيات الكريمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
قوله عز وجل : الر تقدم تفسيره في أول سورة يونس عليه الصلاة والسلام تِلْكَ إشارة إلى آيات هذه السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة المسماة بالر هذه آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ وهو القرآن أي البين حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وقال قتادة : مبين بينه اللّه ببركته وهداه ورشده فهذا من بان أي ظهر، وقال الزجاج : مبين الحق من الباطل والحلال من الحرام فهذا من أبان بمعنى أظهر وقيل إنه يبين فيه قصص الأولين وشرح أحوال المتقدمين إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعني هذا الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا أي أنزلناه بلغتكم لكي تعلموا معانيه وتفهموا ما فيه وقيل لما قالت اليهود لمشركي مكة سلوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم عن أمر يعقوب وقصة يوسف وكانت عند اليهود بالعبرانية فأنزل اللّه هذه السورة وذكر فيها قصة يوسف بالعربية لتفهمها العرب ويعرفوا معانيها والتقدير إنا أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف في حال كونه عربيا فعلى هذا القول يجوز إطلاق اسم القرآن على بعضه لأنه اسم جنس يقع على الكل والبعض واختلف العلماء هل يمكن أن يقال في القرآن شيء بغير العربية، فقال أبو عبيدة : من زعم أن في القرآن لسانا غير العربية فقد قال بغير الحق وأعظم على اللّه القول واحتج بهذه الآية إنا أنزلناه قرآنا عربيا. وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة : أن فيه من غير لسان العربية مثل سجيل والمشكاة واليم وإستبرق ونحو ذلك وهذا هو الصحيح المختار لأن هؤلاء أعلم من أبي عبيدة بلسان العرب وكلا القولين صواب إن شاء اللّه تعالى ووجه الجمع بينهما أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب ودارت على ألسنتهم صارت


الصفحة التالية
Icon