لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٢١
سورة الشعراء
وهي مكية إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله تعالى وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ وهي مائتان وسبع وعشرون آية وألف ومائتان وتسع وسبعون كلمة وخمسة آلاف وخمسمائة وأربعون حرفا، روي عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«أعطيت طه والطواسين من ألواح موسى عليه الصلاة والسلام».

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)
قوله عز وجل طسم قال ابن عباس : عجزت العلماء عن علم تفسيرها وفي رواية أخرى عنه أنه قسم، وهو من أسماء اللّه تعالى وقيل اسم من أسماء القرآن، وقيل اسم السورة وقيل أقسم بطوله وسنائه وملكه تِلْكَ آياتُ أي هذه الآيات آيات الْكِتابِ الْمُبِينِ قيل لما كان القرآن فيه دلائل التوحيد، والإعجاز الدالة على نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ودلائل الأحكام أجمع ثبت بذلك أن آيات القرآن كافية مبينة لجميع الأحكام.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣ الى ٨]
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أي قاتل نفسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي إن لم يؤمنوا وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ أي لو شاء اللّه لأنزل عليهم آية يذلون منها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية اللّه سبحانه وتعالى. وقيل : معناه لو شاء اللّه لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية. فإن قلت : كيف صح مجيء خاضعين خبرا عن الأعناق. قلت أصل الكلام فظلوا لها خاضعين، فأقحمت الأعناق لبيان الخضوع وترك الكلام على أصله أو لما، وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضعين. وقيل : أعناق الناس رؤساؤهم ومقدموهم أي فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات، يقال جاء عنق من الناس أي جماعة قوله تعالى وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ أي وعظ وتذكير مُحْدَثٍ أي محدث إنزاله فهو محدث التنزيل وكلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ أي عن الإيمان به فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أي فسوف يأتيهم أَنْبؤُا أي أخبار وعواقب ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ يعني المشركين كَمْ أَنْبَتْنا فِيها أي بعد أن لم يكن فيها نبات مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ أي جنس ونوع وصنف حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، قال الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن


الصفحة التالية
Icon