لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٧٥
سورة الحجرات
(مدنية وهي ثمان عشرة آية وثلاثمائة وثلاث وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وستة وسبعون حرفا).

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)
قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ من التقديم أي لا ينبغي لكم أن يصدر منكم تقديم أصلا. وقيل : لا تقدموا فعلا بين يدي اللّه ورسوله. والمعنى : لا تقدموا بين يدي أمر اللّه ورسوله ولا نهيهما. وقيل : لا تجعلوا لأنفسكم تقدما عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفيه إشارة إلى احترام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والانقياد لأوامره ونواهيه والمعنى : لا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو قبل أن يفعله. وقيل : لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة واختلفوا في معنى الآية فروي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى أي : لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك أن أناسا ذبحوا قبل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأمروا أن يعيدوا الذبح. (ق) عن البراء بن عازب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شي ء» زاد الترمذي في أوله : قال خطبنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم النحر وذكر الحديث.
وروي عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك أي لا تصوموا قبل نبيكم عن عمار بن ياسر قال :«من صام في اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم» أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
وقيل في سبب نزول هذه الآية : ما روي عن عبد اللّه بن الزبير أنه قدم وفد من بني تميم على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة. وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي.
وقال عمر : ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حتى انقضت زاد في رواية فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه حتى يستفهمه أخرجه البخاري. وقيل : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون : لو نزل في كذا أو صنع كذا وكذا، فكره اللّه ذلك وقيل في معنى الآية لا تفتئتوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشيء حتى يقضيه اللّه على لسانه. وقيل في القتال وشرائع الدين : لا تقضوا أمرا من دون اللّه ورسوله وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في تضييع حقه بمخالفة أمره إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ أي لأقوالكم عَلِيمٌ أي بأفعالكم.


الصفحة التالية
Icon