لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٨٩
سورة الجمعة
(مدنية وهي إحدى عشرة آية ومائة وثلاثون كلمة وسبعمائة وعشرون حرفا) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
قوله عز وجل : يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ يعني العرب وكانت العرب أمة أمية لا تكتب ولا تقرأ حتى بعث فيهم نبي اللّه وقيل الأمي هو الذي على ما خلق عليه كأنه منسوب إلى أمه رَسُولًا مِنْهُمْ يعني محمد صلّى اللّه عليه وسلّم يعلمون نسبه وهو من جنسهم وقيل أميا مثلهم وإنما كان أميا لأن نعته في كتب الأنبياء النبي الأمي وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة بالكتابة على ما أتى به من الوحي والحكمة ولتكون حاله مشاكلة لحال أمته الذين بعث فيهم وذلك أقرب إلى صدقه يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ أي التي يبين رسالته وقيل آياته التي يتميز بها الحلال من الحرام والحق من الباطل وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من دنس الشرك وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ أي القرآن وقيل الفرائض وَالْحِكْمَةَ قيل هي السنة وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ أي من قبل إرسال محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ أي من المؤمنين الذين ظهروا يدينون بدينهم لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم فإن المسلمين كلهم أمة واحدة، وقيل أراد بالآخرين العجم وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ورواية عن مجاهد يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال «كنا جلوسا عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذ نزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال له رجل يا رسول اللّه من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا فلم يكلمه حتى سأله ثلاثا قال وسلمان الفارسي فينا فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده على سلمان وقال والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء» أخرجاه في الصحيحين، وقيل هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يوم القيامة لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ لم
يدركوهم ولكنهم جاءوا بعدهم وقيل لم يلحقوا بهم في الفضل والسابقة لأن التابعين لا يدركون شأو الصحابة وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب الذي قهر الجبابرة الْحَكِيمُ أي الذي جعل كل مخلوق يشهد بوحدانيته.


الصفحة التالية
Icon