لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٤٤
سورة نوح
مكية وهي ثمان وعشرون آية ومائتان وأربعة وعشرون كلمة وتسعمائة وتسعة وتسعون حرفا.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[سورة نوح (٧١) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤)
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨)
قوله عز وجل : إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ أي بأن خوف قومك وحذرهم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني الغرق بالطوفان والمعنى إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي أنذركم وأبين لكم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوه ولا تشركوا به شيئا وَاتَّقُوهُ أي وخافوه بأن تحفظوا أنفسكم مما يؤثمكم وَأَطِيعُونِ أي فيما آمركم به من عبادة اللّه وتقواه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي يغفر لكم ذنوبكم. ومن صلة وقيل يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان وذلك بعض الذنوب وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، معناه يقول آمنوا قبل الموت تسلموا من العذاب فإن أجل اللّه وهو الموت إذا جاء لا يؤخر، قال الزمخشري إن قلت كيف قال ويؤخركم مع الإخبار بامتناع تأخير الأجل وهل هذا إلى تناقض قلت قضى مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة فقيل لهم آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سماه اللّه وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه وهو الوقت الأطول تمام الألف.
ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ولم تكن حيلة فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير عنكم وحيث يمكنكم الإيمان، قالَ يعني نوحا عليه الصلاة والسلام رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً أي نفارا وإدبارا عن الإيمان وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ أي ليؤمنوا بك فتغفر لهم جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ لئلا يسمعوا دعوتي وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي غطوا وجوههم بثيابهم لئلا يرون وَأَصَرُّوا على كفرهم وَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان بك اسْتِكْباراً أي تكبرا عظيما ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً أي معلنا قال ابن عباس : بأعلى صوتي.


الصفحة التالية
Icon