لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٣٤
سورة والليل
مكية وهي إحدى وعشرون آية وإحدى وسبعون كلمة وثلاثمائة وعشرة أحرف.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥)
قوله عز وجل : وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى أي يغشى النّهار بظلمته فيذهب اللّه بضوئه. أقسم اللّه تعالى بالليل لأنه سكن لكافة الخلق يأوى فيه كل حيوان إلى مأواه، ويسكن عن الاضطراب، والحركة، ثم أقسم بالنهار بقوله وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى أي بان وظهر بعد الظلمة لأن فيه حركة الخلق في طلب الرزق وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي ومن خلق فعلى هذا يكون أقسم بنفسه تعالى، والمعنى والقادر العظيم الذي قدر على خلق الذكر، والأنثى من ماء واحد إن أريد به جنس الذكر والأنثى، وقيل هما آدم وحواء، وإنما أقسم بهما لأنه تعالى ابتدأ خلق آدم من طين وخلق منه حواء من غير أم وجواب القسم قوله تعالى : إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أي إن أعمالكم لمختلفة فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها روى أبو مالك الأشعري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» قوله موبقها أي مهلكها.
قوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى أي أنفق ماله في سبيل اللّه عز وجل : وَاتَّقى أي ربه، وفيه إشارة إلى الاحتراز عن كل ما لا ينبغي.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٦ الى ١٠]
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال ابن عباس صدق بقول لا إله إلا اللّه وعنه صدق بالخلف به، أي أيقن أن اللّه سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته، وقيل صدق بالجنة، وقيل صدق بموعد اللّه عز وجل الذي وعده أنه يثيبه فَسَنُيَسِّرُهُ فسنهيئه في الدنيا لِلْيُسْرى أي للخلة والفعلة اليسرى، وهو العمل بما يرضاه اللّه.
قوله عز وجل : وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ أي بالنّفقة في الخير والطاعة وَاسْتَغْنى أي عن ثواب اللّه تعالى فلم يرغب فيه وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أي بلا إله إلا اللّه أو كذب بما وعده اللّه عز وجل من الجنة والثواب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أي فسنهيئه للشّر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضى اللّه تعالى فيستوجب بذلك النار، وقيل نعسر عليه أن يأتي خيرا وفي الآية دليل لأهل السّنة وصحة قولهم في القدر وأن التّوفيق والخذلان والسّعادة والشّقاوة بيد اللّه تعالى، ووجوب العمل بما سبق له في الأزل (ق) عن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه قال :«كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس، وجعل ينكت


الصفحة التالية
Icon