لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٣٧
سورة والضّحى
مكية وهي إحدى عشرة آية وأربعون كلمة ومائة واثنان وسبعون حرفا.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)
قوله عز وجل : وَالضُّحى اختلفوا في سبب نزول هذه السّورة على ثلاثة أقوال : القول الأول (ق) «عن جندب بن سفيان البجلي قال : اشتكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك ليلتين أو ثلاثا فأنزل اللّه عز وجل : وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى » وأخرجه التّرمذي عن جندب قال كنت مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في غار فدميت إصبعه فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت
قال : فأبطأ عليه جبريل فقال المشركون قد ودع محمدا ربه فأنزل اللّه عز وجل :
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٣ الى ٥]
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقيل إن المرأة المذكورة في الحديث المتفق عليه هي أم جميل امرأة أبي لهب.
القول الثاني : قال المفسرون : سألت اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح، وعن ذي القرنين، وأصحاب الكهف، فقال سأخبركم غدا، ولم يقل إن شاء اللّه فاحتبس الوحي عليه.
القول الثالث : قال زيد بن أسلم : كان سبب احتباس الوحي، وجبريل عنه أن جروا كان في بيته، فلما نزل عليه عاتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على إبطائه فقال إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة.
واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه، فقيل اثنا عشر يوما وقال ابن عباس : خمسة عشر يوما، وقيل أربعون يوما فلما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك فقال جبريل : إني كنت إليك أشد شوقا، ولكني عبد مأمور. ونزل وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وأنزل اللّه هذه السّورة قوله عز وجل : وَالضُّحى قيل أراد به النهار كله بدليل أنه قابله باللّيل كله في قوله، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، وقيل وقت الضحى وهي السّاعة التي فيها ارتفاع الشّمس واعتدال النهار في الحر والبرد في الصيف والشتاء.
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى قال ابن عباس أقبل بظلامه وعنه إذا ذهب وقيل معناه غطى كل شيء بظلامه، وقيل معناه سكن فاستقر ظلامه فلا يزاد بعد ذلك، وهذا قسم أقسم اللّه تعالى بالضحى والليل إذا سجى وجواب القسم قوله تعالى : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى أي ما تركك ربك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك، وإنما قال قلى ولم يقل


الصفحة التالية
Icon