لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٦٠
سورة العاديات
وهي مكية في قول ابن مسعود وغيره مدنية في قول ابن عباس، وهي إحدى عشرة آية وأربعون كلمة ومائة وثلاثة وستون حرفا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)قوله عزّ وجلّ : وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فيه قولان أحدهما، أنها الإبل في الحج قال عليّ كرم اللّه وجهه : هي الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وعنه قال كانت أول غزاة في الإسلام بدرا، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزّبير، وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات؟ فعلى هذا القول يكون معنى ضبحها مد أعناقها في السير وأصله من حركة النار في العود. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يعني أن أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها فيضرب الحجر حجرا آخر فيوري النّار، وقيل هي النيران بجمع فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني الإبل تدفع بركبانها يوم النّحر من جمع إلى منى والسنة أن لا يدفع حتى يصبح والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم أشرق ثبير كيما نغير فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً أي هيجن بمكان سيرها غبارا.
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ٥ الى ١١]
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أي وسطن بالنقع جمعا وهو مزدلفة، فوجه القسم على هذا أن اللّه تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة، وتعريضه بإبل الحج للتّرغيب وفيه تقريع لمن لم يحج بعد القدرة عليه، فإن الكنود هو الكفور، ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك القول الثاني في تفسير والعاديات، قال ابن عباس وجماعة هي الخيل العادية في سبيل اللّه والضبح صوت أجوافها إذا غدت قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس، والكلب، والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع أو تعب، وهو من قول العرب ضبحته النّار إذا غيرت لونه، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يعني أنها توري النّار بحوافرها إذا سارت في الحجارة، وقيل هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها وقال ابن عباس : هي الخيل تغزو في سبيل اللّه ثم تأوي باللّيل فيوري أصحابها نارا، ويصنعون طعامهم، وقيل هو مكر الرّجال في الحرب، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما واللّه لأقدحن لك ثم لأورين لك، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصّباح لأن النّاس في غفلة في ذلك الوقت عن الاستعداد، فَأَثَرْنَ بِهِ أي بالمكان نَقْعاً أي غبارا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أي دخلن به أي بذلك النّقع وهو الغبار، وقيل صرن بعدوهن وسط جمع العدو، وهم الكتيبة وهذا القول في تفسير هذه الآيات أولى بالصّحة، وأشبه بالمعنى، لأن الضبح من صفة