البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٠١
والثالث : ذكر أنه تعالى عليم بما ينفقه الإنسان من الخير، ومقداره، وكيفية جهاته المؤثرة في ترتب الثواب، فأتى بالوصف المطلع على ذلك وهو : العلم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٤]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً قال أبو ذر، وأبو الدرداء، وابن عباس، وأبو أمامة، وعبد اللّه بن بشر الغافقي، ومكحول، ورباح بن بريد، والأوزاعي :
هي في علف الخيل المرتبطة في سبيل اللّه، ومرتبطها. وكان أبو هريرة إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية.
وقال ابن عباس أيضا، والكلبي : نزلت في علي، كانت عنده أربعة دراهم، قال الكلبي، لم يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية.
وقال ابن عباس أيضا : نزلت في عليّ بعث بوسق تمر إلى أهل الصفة ليلا
، وفي عبد الرحمن بن عوف بعث إليهم بدراهم كثيرة نهارا.
وقال قتادة : نزلت في المنفقين من غير تبذير ولا تقتير. انتهى. وقيل : نزلت في أبي بكر، تصدق بأربعين ألف دينار : عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة في السر، وعشرة في الجهر.
والآية، وإن نزلت على سبب خاص، فهي عامة في جميع ما دلت عليه ألفاظ الآية، والمعنى أنهم، فيما قال الزمخشري : يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها، ولم يؤخروه، ولم يتعللوا بوقت ولا حال. انتهى.
ولم يبين في هذه الآية أفضلية الصدقة في أحد الزمانين، ولا في إحدى الحالتين اعتمادا على الآية قبلها، وهي : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أو جاء تفصيلا على حسب الواقع من صدقة أبي بكر، وصدقة علي، وقد يقال : إن تقديم الليل على النهار، والسر على العلانية يدل على تلك الأفضلية، والليل مظنة صدقة السر، فقدم الوقت الذي كانت الصدقة فيه أفضل، والحال التي كانت فيها أفضل.


الصفحة التالية
Icon