البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٥٧
المائدة : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ «١» أي بعضه وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه؟ (قلت) : قالوا : إنها أي من لابتداء الغاية (فإن قلت) : قولهم أنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن، ومن الماء، ومن التراب، إلا معنى التبعيض (قلت) : هو كما تقول، والإذعان للحق أحق من المراء.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً كناية عن الترخيص والتيسير، لأن من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم، آثر أن يكون ميسرا غير معسر انتهى كلامه. والعجب منه إذ أذعن إلى الحق، وليس من عادته، بل عادته أن يحرف الكلام عن ظاهره ويحمله على غير محمله لأجل ما تقرر من مذهبه. وأيضا فكلامه أخيرا حيث أطلق أن اللّه يعفو عن الخطائين ويغفر لهم، العجب له إذ لم يقيد ذلك بالتوبة على مذهبه وعادته فيما هو يشبه هذا الكلام.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ إلى ٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ قال قتادة : نزلت في اليهود. وفي رواية عن ابن عباس : في رفاعة بن زيد بن التابوت. وقيل : في غيره من اليهود. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر شيئا من أحوال الآخرة، وأن الكفار إذ ذاك يودون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثا، وجاءت هذه الآية بعد ذلك كالاعتراض بين ذكر أحوال الكفار في الآخرة، وذكر أحوالهم في الدنيا وما هم عليه من معاداة المؤمنين، وكيف يعاملون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذي يأتي شهيدا عليهم وعلى غيرهم. ولما كان اليهود أشد إنكارا للحق، وأبعد من قبول الخير. وكان قد تقدّم أيضا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون، وهم أشد الناس تحليا بهذين الوصفين، أخذ يذكرهم بخصوصيتهم. وتقدم
(١) سورة المائدة : ٥/ ٦.