البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٣١
واحدة على ملة الإسلام، ويعزى هذا القول أيضا إلى ابن عباس، والحسن، وقتادة.
وقال العباس بن غزوان : وإنّ من أهل الكتاب بتشديد النون، وهي قراءة عسرة التخريج، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أي : شهيدا على أهل الكتاب على اليهود بتكذيبهم إياه وطعنهم فيه، وعلى النصارى بجعلهم إياه إلها مع اللّه أو ابنا له، والضمير في يكون لعيسى. وقال عكرمة : لمحمد صلى اللّه عليه وسلم.
قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبديع. فمنها التجنيس المغاير في : يخادعون وخادعهم، وشكرتم وشاكرا. والمماثل في : وإذا قاموا. والتكرار في : اسم اللّه، وفي : هؤلاء وهؤلاء، وفي : ويرون ويريدون، وفي : الكافرين والكافرين، وفي : أهل الكتاب وكتابا، وفي : بميثاقهم وميثاقا. والطباق في : الكافرين والمؤمنين، وفي : إن تبدوا أو تخفوه، وفي : نؤمن ونكفر، والاختصاص في : إلى الصلاة، وفي : الدرك الأسفل، وفي : الجهر بالسوء. والإشارة في مواضع. الاستعارة في : يخادعون اللّه وهو خادعهم استعار اسم الخداع للمجازاة وفي : سبيلا، وفي سلطانا لقيام الحجة والدرك الأسفل لا نخفاض طبقاتهم في النار، واعتصموا للالتجاء، وفي : أن يفرقوا، وفي : ولم يفرّقوا وهو حقيقة في الأجسام استعير للمعاني، وفي : سلطانا استعير للحجة، وفي : غلف وبل طبع اللّه. وزيادة الحرف لمعنى في : فبما نقضهم، وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : فأخذتهم الصاعقة وجاءتهم البينات وإلى الراضي به وفي : وقتلهم الأنبياء، وفي : وقولهم على مريم بهتانا وقولهم إنا قتلنا المسيح. وحسن النسق في : فبما نقضهم ميثاقهم والمعاطيف عليه حيث نسقت بالواو التي تدل على الجميع فقط. وبين هذه الأشياء أعصار متباعدة فشرك أوائلهم وأواخرهم لعمل أولئك ورضا هؤلاء. وإطلاق اسم كل على بعض وفي : كفرهم بآيات اللّه وهو القرآن والإنجيل ولم يكفروا بشيء من الكتب إلا بهما وفي قولهم إنا قتلنا ولم يقل ذلك إلا بعضهم. والتعريض في رسول اللّه إذا قلنا أنه من كلامهم. والتوجيه في غلف من احتمال المصدر جمع غلاف أو جمع أغلف. وعود الضمير على غير مذكور وهو في ليؤمنن به قبل موته على من جعلهما لغير عيسى. والنقل من صيغة فاعل إلى فعيل في شهيد. والحذف في مواضع.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ إلى ١٧٢]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤)
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩)
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢)


الصفحة التالية
Icon