البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٤٦
المغتر بإضلال المضل مذموم، وعلى أن الاكتفاء بالظن في الأصول غير جائز، وعلى أن القول بغير دليل باطل، وعلى أن ما تساوي وجوده وعدمه لا يجوز المصير إلى أحدهما إلا بدليل سمعي، وتمسك بها أيضا منكرو القياس، وخبر الواحد، لأنهما لا يفيدان العلم.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ الآية. قيل : نزلت في الذين غيروا صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وبدّلوا نعته، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وكان في كتابهم على الصفة التي هو بها، فقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة هذا النبي الذي يبعث في آخر الزمان، ليس يشبه نعت هذا، وكانت الأحبار من اليهود يخافون أن يذهب مأكلتهم بإبقاء صفة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على حالها، فلذلك غيروها. وقيل : خاف ملوكهم على ملكهم، إذا آمن الناس كلهم، فجاءوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل، وكشطوها من التوراة، وكتبوا بأيديهم كتابا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا. وقيل : نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي، ولم يتبعوا كتابا، بل كتبوا بأيديهم كتابا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا، وقالوا : هذا من عند اللّه. وقال أبو مالك : نزلت في عبد اللّه بن سعد بن سرح، كاتب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، كان يغيره فارتد. وقد تقدم شرح ويل عند الكلام على المفردات، وذكر عن عثمان، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : أنه جبل من نار جهنم
، وذكر أن أبا سعيد روى : أنه واد في جهنم بين جبلين، يهوي فيه الهاوي
، وذكر أن سفيان وعطاء بن يسار رويا أنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار. وحكى الزهراوي وجماعة : أنه باب من أبواب جهنم.
وقيل : هو صهريج في جهنم. وقيل، عن سعيد بن جبير، إنه واد في جهنم، لو سجرت فيه جبال الدنيا لانماعت من حره، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لوجب المصير إليه. وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة، وهو نكرة فيها معنى الدعاء، فلذلك جاز الابتداء بها، إذ الدعاء أحد المسوّغات لجواز الابتداء بالنكرة، وهي تقارب ثلاثين مسوّغا، وذكرناها في كتاب (منهج المسالك) من تأليفنا.
والكتابة معروفة، ويقال أول من كتب بالقلم إدريس، وقيل : آدم. والكتاب هنا قيل :
كتبوا أشياء اختلقوها، وأحكاما بدلوها من التوراة حتى استقر حكمها بينهم. وقيل : كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وبنوها في سفهائهم، وفي العرب، وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل، وصار سفهاؤهم، ومن يأتيهم من مشركي العرب، إذا سألوهم عن صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقولون : ما هو هذا الموصوف عندنا في


الصفحة التالية
Icon