البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٦١
الخضوع حاصلا، لأن المقصود من التوبة إما بالقلب فبالندم وإما باللسان فبذكر لفظ يدل على حصول الندم في القلب، وذلك لا يتوقف على ذكر لفظة بعينها.
يغفر، نافع : بالياء مضمومة، ابن عامر : بالتاء، أبو بكر من طريق الجعفي :
يغفر، الباقون : نغفر. فمن قرأ بالياء مضمومة فلأن الخطايا مؤنث، ومن قرأ بالياء مفتوحة فالضمير عائد على اللّه تعالى ويكون من باب الالتفات، لأن صدر الآية وَإِذْ قُلْنَا ثم قال : يغفر، فانتقل من ضمير متكلم معظم نفسه إلى ضمير الغائب المفرد، ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على القول الدال عليه وقولوا، أي نغفر القول ونسب الغفران إليه مجازا لما كان سببا للغفران، ومن قرأ بالنون، وهي قراءة باقي السبعة، فهو الجاري على نظام ما قبله من قوله : وَإِذْ قُلْنَا، وما بعده من قوله : وَسَنَزِيدُ، فالكلام به في أسلوب واحد، ولم يقرأ أحد من السبعة إلا بلفظ خَطاياكُمْ، وأمالها الكسائي. وقرأت طائفة :
تغفر بفتح التاء، قيل : كأن الحطة تكون سبب الغفران، يعني قائل هذا وهو ابن عطية، فيكون الضمير للحطة وهذا ليس بجيد، لأن نفس اللفظة بمجردها لا تكون سببا للغفران.
وقد بينا ذلك قبل، فالضمير عائد على المقالة المفهومة من : وَقُولُوا، ونسب الغفران إليها على طريق المجاز، إذ كانت سببا للغفران. وقرأ الجحدري وقتادة : تغفر بضم التاء وإفراد الخطيئة. وروي عن قتادة : يغفر بالياء مضمومة. وقرأ الأعمش : يغفر بالياء مفتوحة وإفراد الخطيئة. وقرأ الحسن : يغفر بالياء مفتوحة والجمع المسلم. وقرأ أبو حيوة : تغفر بالتاء مضمومة وبالجمع المسلم. وحكى الأهوازي أنه قرأ : خطاياكم بهمز الألف وسكون الألف الأخيرة. وحكى عنه أيضا العكس. وتوجيه هذا الهمز أنه استثقل النطق بألفين مع أن الحاجز حرف مفتوح والفتحة تنشأ عنها الألف، فكأنه اجتمع ثلاث ألفات، فهمز إحدى الألفين ليزول هذا الاستثقال، وإذ كانوا قد همزوا الألف المفردة بعد فتحه في قوله :
وخندف هامة هذا العألم فلأن يهمزوا هذا أولى، وهذا توجيه شذوذ. ومن قرأ بضم الياء أو التاء كان :
خطاياكم، أو خطياتكم، أو خطيتكم مفعولا لم يسم فاعله، ومن قرأ بفتح التاء أو الياء أو بالنون، كان ذلك مفعولا، وجزم هذا الفعل لأنه جواب الأمر. وقد تقدم الكلام في نظيره في قوله تعالى : وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ «١»، وذكرنا الخلاف في ذلك. وهنا تقدمت
(١) سورة البقرة : ٢/ ٤٠.