البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٧٦
وهو فصيح في الكلام، أعني أن يعاد حرف الجرّ في البدل. فمن على هذا التقدير تبعيضية، كهي في مما تنبت، ويتعلق بيخرج، إمّا الأولى، وإمّا أخرى مقدّرة على الخلاف الذي في العامل في البدل، هل هو العامل الأول، أو ذلك على تكرار العامل؟ والمشهور هذا الثاني، وأجاز المهدويّ أيضا، وابن عطية، وأبو البقاء أن تكون من في قوله : مِنْ بَقْلِها لبيان الجنس، وعبر عنها المهدويّ بأنها للتخصيص، ثم اختلفوا، فقال أبو البقاء :
موضعها نصب على الحال من الضمير المحذوف تقديره : مما تنبته الأرض كائنا من بقلها، وقدّم ذكر هذا الوجه قال : ويجوز أن تكون بدلا من ما الأولى بإعادة حرف الجر. وأما المهدوي، وابن عطية فزعما مع قولهما : إن من في مِنْ بَقْلِها بدل من قوله : مِمَّا تُنْبِتُ، وذلك لأن من في قوله مِمَّا تُنْبِتُ للتبعيض، ومن في قوله مِنْ بَقْلِها على زعمهما لبيان الجنس. فقد اختلف مدلول الحرفين، واختلاف ذلك كاختلاف الحرفين، فلا يجوز البدل إلا إن ذهب ذاهب إلى أن من في قوله : مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لبيان الجنس، فيمكن أن يفرّع القول بالبدل على كونها لبيان الجنس. والمختار ما قدّمناه من كون من في الموضعين للتبعيض، وأمّا أن تكون لبيان الجنس، فقد أباه أصحابنا وتأوّلوا ما استدلّ به مثبت ذلك، والمراد بالبقل هنا : أطايب البقول التي يأكلها الناس، كالنعناع، والكرفس، والكراث، وأشباهها، قاله الزمخشري. وقرأ يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وغيرهما :
وقثائها بضم القاف، وقد تقدّم أنها لغة.
وَفُومِها : تقدّم الكلام فيه، وللمفسرين فيه أقاويل ستة : أحدها : أنه الثوم، وبينته قراءة ابن مسعود : وثومها بالثاء، وهو المناسب للبقل والعدس والبصل. الثاني : قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدّي : أنه الحنطة. الثالث : أنه الحبوب كلها. الرابع : أنه الخبز، قاله مجاهد وابن عطاء وابن زيد. الخامس : أنه الحمص. السادس : أنه السنبلة.
وَعَدَسِها وَبَصَلِها : وأحوال هذه الخمسة التي ذكروها مختلفة، فذكروا، أولا : ما هو جامع للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، إذ البقل منه ما هو بارد رطب كالهندبا، ومنه ما هو حار يابس كالكرفس والسداب، ومنه ما هو حار وفيه رطوبة عرضية كالنعناع. وثانيا القثاء، وهو بارد رطب. وثالثا : الثوم، وهو حار يابس. ورابعا : العدس، وهو بارد يابس.
وخامسا : البصل، وهو حار رطب، وإذا طبخ صار باردا رطبا، فعلى هذا جاء ترتيب ذكر هذه الخمسة.
قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ : الضمير في قال ظاهر عوده على موسى، ويحتمل عوده على


الصفحة التالية
Icon