البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٠
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وقد تأول خالد بن كلثوم قوله عدا الأمر على أنه جمع عدوة، والعدوة الناحية كأن الشاعر أراد نواحي الأمر وجوانبه.
يَخافُونَ يَوْماً هو يوم القيامة، والظاهر أن معنى تَتَقَلَّبُ تضطرب من هول ذلك اليوم كما قال تعالى وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ
«١» فتقلبها هو قلقها واضطرابها، فتتقلب من طمع في النجاة إلى طمع ومن حذر هلاك إلى هلاك. وهذا المعنى تستعمله العرب في الحروب كقوله :
بل كان قلبك في جناحي طائر ويبعد قول من قال تَتَقَلَّبُ على جمر جهنم لأن ذلك ليس في يوم القيامة بل بعده. وقول من قال إن تقلبها ظهور الحق لها أي فتتقلب عن معتقدات الضلال إلى اعتقاد الحق على وجهه فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعا عليها، وتبصر الأبصار بعد أن كانت عميا والقول الأول أبلغ في التهويل. وقرأ ابن محيصن : تقلب بإدغام التاء في التاء.
واللام في لِيَجْزِيَهُمُ متعلقة بمحذوف أي فعلوا ذلك لِيَجْزِيَهُمُ ويجوز أن تتعلق بيسبح وهو الظاهر. وقال الزمخشري : والمعنى يسبحون ويخافون لِيَجْزِيَهُمُ انتهى. والظاهر أن قوله يَخافُونَ صفة لرجال كما أن لا تُلْهِيهِمْ كذلك. أَحْسَنَ هو على حذف مضاف أي ثواب أحسن ما عملوا، أو أَحْسَنَ جزاء ما عملوا.
وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما تقتضيه أعمالهم، فأهل الجنة أبدا في مزيد. وقال الزمخشري : لِيَجْزِيَهُمُ ثوابهم مضاعفا وَيَزِيدَهُمْ على الثواب تفضيلا وكذلك معنى قوله الْحُسْنى «٢» وزيادة المثوبة الحسنى، وزيادة عليها من التفضل وعطاء اللّه عز وجل إما تفضل وإما ثواب وإما عوض.
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ما يتفضل به بِغَيْرِ حِسابٍ فأما الثواب فله حسنات لكونه على حسب الاستحقاق انتهى. وفي قوله على حسب الاستحقاق دسيسة اعتزال.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٩ إلى ٤٠]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

(١) سورة الأحزاب : ٣٣/ ١٠.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٥ وغيرها.


الصفحة التالية
Icon