البحر المحيط، ج ١، ص : ١٧١
السادس : في أنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تمله الأسماع، ولا يمحوه الماء، ولا تغنى عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا تزول طلاوته على تواليه، ولا تذهب حلاوته من لهوات تاليه. السابع : من مثله في دوام آياته وكثرة معجزاته. الثامن : من مثله، أي مثله في كونه من كتب اللّه المنزلة على من قبله، تشهد لكم بأن ما جاءكم به ليس هو من عند اللّه، كما قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «١» وإن جعلنا الضمير عائدا على المنزل عليه، فمن متعلقة بقوله : فأتوا من مثل الرسول بسورة. ومعنى من على هذا أوجه ابتداء الغاية، ويجوز أن تكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وهي أيضا لابتداء الغاية، أي بسورة كائنة من رجل مثل الرسول، أي ابتداء كينونتها من مثله.
وفي المثلية على كون الضمير عائدا على المنزل على أقوال : الأول : من مثله من أمي لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية. الثاني : من مثله لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يؤثر عنه قبل ذلك تعاطي الأخبار، ولم يرحل من بلده إلى غيره من الأمصار. الثالث : من مثله على زعمكم أنه ساحر شاعر مجنون. الرابع : من مثله من أبناء جنسه وأهل مدرته، وذكر المثل في قوله : من مثله هو على سبيل الفرض على أكثر الأقوال التي فسرت بها المماثلة، إذا كان الضمير عائدا على المنزل، وعلى بعضها لا يكون على سبيل الفرض، وهو على قول من فسر أنه أراد بالمثل : كلام العرب الذي هو من جنسه، وأما إذا كان عائدا على المنزل عليه فليس على سبيل الفرض، لوجود أمي لا يحسن الكتابة، ولوجود من لم يدارس العلماء، ولوجود من هو ساحر على زعمهم ذلك في المنزل عليه.
واختار الزمخشري أن لا مثل ولا نظير. قال بعد أن فسر المثل على تقدير عود الضمير على المنزل : فائتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، وعلى تقدير عوده على المنزل عليه، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء، قال الزمخشري، ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك، ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج، وقال له : لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب. أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقوة وبسطة اليد، ولم يقصد أحدا يجعله مثلا للحجاج. انتهى كلام الزمخشري. وعلى ما
(١) سورة البقرة : ٢/ ١١١. [.....]