البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٢٨
لمعنى، فيكون لفظه ومعناه واحدا، إذ ليس المعنى وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ للحجر الذي يتفجر منه الماء، إنما المعنى للأحجار التي يتفجر منها الأنهار. وقد سبق الكلام على الأنهار في قوله تعالى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «١» الآية. وقد ذهب بعضهم إلى أن الحجر الذي يتفجر منه الأنهار، هو الحجر الذي ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، التشقق : التصدّع بطول أو بعرض، فينبع منه الماء بقلة حتى لا يكون نهرا. وقرأ الجمهور : يشقق، بتشديد الشين، وأصله يتشقق، فأدغم التاء في الشين. وقرأ الأعمش : تشقق، بالتاء والشين المخففة على الأصل، ورأيتها معزوّة لابن مصرّف. وفي النسخة التي وقفت عليها من تفسير ابن عطية. ما نصه : وقرأ ابن مصرّف : ينشقق، بالنون وقافين، والذي يقتضيه اللسان أن يكون بقاف واحدة مشدّدة، وقد يجيء الفك في شعر، فإن كان المضارع مجزوما، جاز الفك فصيحا، وهو هنا مرفوع، فلا يجوز الفك، إلا أنها قراءة شاذة، فيمكن أن يكون ذلك فيها، وأما أن يكون المضارع بالنون مع القافين وتشديد الأولى منهما، فلا يجوز. قال أبو حاتم : يجوز لما تتفجر بالتاء، ولا يجوز لما تتفجر بالتاء، ولا يجوز تتشقق بالتاء، لأنه إذا قال : تتفجر فأنثه لتأنيث الأنهار، ولا يكون في تشقق. وقال أبو جعفر النحاس : يجوز ما أنكره أبو حاتم حملا على المعنى، لأن المعنى : وإن منها للحجارة التي تشقق، وإمّا يشقق بالياء، فمحمول على اللفظ. انتهى، وهو كلام صحيح. ولم ينقل هنا أن أحدا قرأ منها الماء، فيعيد على المعنى، إنما نقل ذلك في قوله : لما يتفجر منه الأنهار، فكان قوله يتفجر حملا على اللفظ ومنها حملا على المعنى ومحسن هذا هنا انه ولى الضمير جمع وهو الأنهار، فناسب الجمع الجمع، ولأن الأنهار من حيث هي جمع، يبعد في العادة أن تخرج من حجر واحد، وإنما تخرج الأنهار من أحجار، فلذلك ناسب مراعاة المعنى هنا. وأما فيخرج منه الماء، فالماء ليس جمعا، فلا يناسب في حمل منه على المعنى، بل أجرى يشقق، ومنه على اللفظ.
وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، الهبوط هنا : التردّي من علو إلى أسفل. وقرأ الأعمش : يهبط، بضم الباء، وقد تقدم أنها لغة. وخشية اللّه : خوفه. واختلف المفسرون في تفسير هذا، فذهب قوم إلى أن الخشية هنا حقيقة. واختلف هؤلاء، فقال قوم معناه :
من خشية الحجارة للّه تعالى، فهي مصدر مضاف للمفعول، وأن اللّه تعالى جعل لهذه
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٥.