مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٢٦
سورة آل عمران
مائتا آية مدنية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ إلى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)
أما تفسير الم فقد تقدم في سورة البقرة، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو بكر عن عاصم الم، اللَّهُ بسكون الميم، ونصب همزة : اللّه، والباقون موصولًا بفتح الميم، أما قراءة عاصم فلها ووجهان الأول : نية الوقف ثم إظهار الهمزة لأجل الابتداء والثاني : أن يكون ذلك على لغة من يقطع ألف الوصل، فمن فصل وأظهر الهمزة فللتفخيم والتعظيم، وأما من نصب الميم ففيه قولان :
القول الأول : وهو قول الفراء واختيار كثير من البصريين أن أسماء الحروف موقوفة الأواخر، يقول :
ألف، لام، ميم، كما تقول : واحد، اثنان، ثلاثة، وعلى هذا التقدير وجب الابتداء بقوله : اللّه، فإذا ابتدأنا به نثبت الهمزة متحركة، إلا أنهم أسقطوا الهمزة للتخفيف، ثم ألقيت حركتها على الميم لتدل حركتها على أنها في حكم المبقاة بسبب كون هذه اللفظة مبتدأ بها.
فإن قيل : إن كان التقدير فصل إحدى الكلمتين عن الأخرى امتنع إسقاط الهمزة، وإن كان التقدير هو الوصل امتنع بقاء الهمزة مع حركتها، وإذا امتنع بقاؤها امتنعت حركتها، وامتنع إلقاء حركتها، على الميم.
قلنا : لم لا يجوز أن يكون ساقطاً بصورته باقياً بمعناه فأبقيت حركتها لتدل على بقائها في المعنى هذا تمام تقرير قول الفرّاء.
والقول الثاني : قول سيبويه، وهو أن السبب في حركة الميم التقاء الساكنين، وهذا القول رده كثير من الناس، وفيه دقة ولطف، والكلا
أنتم تثبتون للّه ولداً، وتعبدون الصليب، وتأكلون الخنزير، قالوا : فمن أبوه؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
ثم أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يناظر معهم، فقال : ألستم تعلمون أن اللّه حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى، قال ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا بلى، قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه، فهل يملك عيسى شيئاً من ذلك؟ قالوا : لا، قال ألستم تعلمون أن اللّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئاً من ذلك إلا ما علم؟ قالوا : لا، قال فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، فهل تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث وتعلمون أن عيسى حملته امرأة كحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة، ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب، ويحدث الحدث قالوا : بلى فقال صلى اللّه عليه وسلم :«فكيف يكون كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً، ثم قالوا : يا محمد ألست تزعم أنه كلمة اللّه وروح منه؟ قال : بلى»، قالوا : فحسبنا فأنزل اللّه تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ [آل عمران : ٧] الآية.
ثم إن اللّه تعالى أمر محمداً صلى اللّه عليه وسلم بملاعنتهم إذ ردوا عليه ذلك، فدعاهم رسول اللّه إلى الملاعنة، فقالوا :
يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن نفعل، فانصرفوا ثم قال بعض أولئك الثلاثة لبعض : ما ترى؟ فقال : واللّه يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط إلا وفي كبيرهم وصغيرهم، وأنه الاستئصال منكم إن فعلتم، وأنتم قد أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع نحن على ديننا، فابعث رجلًا من أصحابك معنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا، فقال عليه السلام : آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين وكان عمر يقول : ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فلما صلينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى


الصفحة التالية
Icon