مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٤٤٧

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

سورة الأنفال
مدنية إلا من آية : ٣٠ إلى غاية ٣٦ فمكية وآياتها ٧٥ نزلت بعد البقرة
[سورة الأنفال (٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)
اعلم أن قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ يقتضي البحث عن خمسة أشياء، السائل والمسؤول وحقيقة النفل، وكون ذلك السؤال عن أي الأحكام كان، وإن المفسرين بأي شيء فسروا الأنفال.
أما البحث الأول : فهو أن السائلين من كانوا؟ فنقول إن قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إخبار عمن لم يسبق ذكرهم وحسن ذلك هاهنا، لأن حالة النزول كان السائل عن هذا السؤال معلوماً معيناً فانصرف هذا اللفظ إليهم، ولا شك أنهم كانوا أقواماً لهم تعلق بالغنائم والأنفال وهم أقوام من الصحابة.
وأما البحث الثاني : وهو أن المسؤول من كان؟ فلا شك أنه هو النبي صَلَّى اللّه عليه وسلّم.
وأما البحث الثالث : وهو أن الأنفال ما هي فنقول : قال الزهري : النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالًا، لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل. وقال تعالى : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [الأنبياء : ٧٢] أي زيادة على ما سأل.
وأما البحث الرابع : وهو أن هذا السؤال عن أي أحكام الأنفال كان؟ فنقول : فيه وجهان : الأول : لفظ السؤال، وإن كان مبهماً إلا أن تعيين الجواب يدل على أن السؤال كان واقعاً عن ذلك المعين، ونظيره قوله تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة : ٢٢٢] وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى [البقرة : ٢٢٠] فعلم منه أنه سؤال عن حكم من أحكام المحيض واليتامى، وذلك الحكم غير معين، إلا أن الجواب كان معيناً لأنه تعالى قال في المحيض : قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة : ٢٢٢] فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان سؤالًا عن مخالطة النساء في المحيض. وقال في اليتامى : قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ


الصفحة التالية
Icon