مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٢١
سورة الكهف
مائة وإحدى عشرة آية مكية بسم اللّه الرّحمن الرّحيم / قال ابن عباس إنها مكية غير آيتين منها فيهما ذكر عيينة بن حصن الفزاري وعن قتادة أنها مكية وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال :«ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت؟ هي سورة الكهف».
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١ إلى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣)في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أما الكلام في حقائق قولنا : الْحَمْدُ لِلَّهِ فقد سبق، والذي أقوله هاهنا أن التسبيح أينما جاء فإنما جاء مقدما على التحميد، ألا ترى أنه يقال : سبحان اللّه والحمد للّه إذا عرفت هذا فنقول : إنه جل جلاله ذكر التسبيح عند ما أخبر أنه أسرى بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم فقال : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء : ١] وذكر التحميد عند ما ذكر أنه أنزل الكتاب على محمد صلّى اللّه عليه وسلم فقال : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أن التسبيح أول الأمر لأنه عبارة عن تنزيه اللّه عما لا ينبغي وهو إشارة إلى كونه كاملا في ذاته والتحميد عبارة عن كونه مكملا لغيره، ولا شك أن أول الأمر هو كونه كاملا في ذاته ونهاية الأمر كونه مكملا لغيره فلا جرم وقع الابتداء في الذكر بقولنا (سبحان الله) ثم ذكر بعده الْحَمْدُ لِلَّهِ تنبيها على أن مقام التسبيح مبدأ ومقام التحميد نهاية. إذا عرفت هذا فنقول : ذكر عند الإسراء لفظ التسبيح وعند إنزال الكتاب لفظ التحميد وهذا تنبيه على أن الإسراء به / أول درجات كماله وإنزال الكتاب غاية درجات كماله، والأمر في الحقيقة كذلك لأن الإسراء به إلى المعراج يقتضي حصول الكمال له، وإنزال الكتاب عليه يقتضي كونه مكملا للأرواح البشرية وناقلا لها من حضيض البهيمية إلى أعلى درجات الملكية، ولا شك أن هذا الثاني أكمل. وهذا تنبيه على أن أعلى مقامات العباد مقاما أن يصير [العبد] عالما في ذاته معلما لغيره ولهذا
روي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال :«من تعلم وعلم فذاك يدعى عظيما في السموات».