مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٦٥
سورة ص
ثمانون وثمان آيات مكية بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١ إلى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الكلام المستقصى في أمثال هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ولا بأس بإعادة بعض الوجوه فالأول : أنه مفتاح أسماء اللّه تعالى التي أولها صاد، كقولنا صادق الوعد، صانع المصنوعات، صمد والثاني : معناه صدق محمد في كل ما أخبر به عن اللّه الثالث : معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين، كما قال تعالى : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل : ٨٨] الرابع : معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن، فدل ذلك على أن القرآن معجز الخامس : أن يكون صاد بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه السادس : أنه اسم السورة والتقدير هذه صاد، فإن قيل هاهنا إشكالان أحدهما : أن قوله : وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ قسم وأين المقسم عليه؟ والثاني : أن كلمة (بل) تقتضي رفع حكم ثبت قبلها، وإثبات حكم بعدها يناقض الحكم السابق، فأين هذا المعنى هاهنا؟ والجواب : عن الأول من وجوه الأول : أن يكون معنى صاد، بمعنى صدق محمد صلى اللّه عليه وسلّم، فيكون صاد هو المقسم عليه، وقوله :
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ هو القسم الثاني : أن يكون المقسم عليه محذوفا، والتقدير سورة (ص والقرآن ذي الذكر) أنه لكلام معجز، لأنا بينا أن قوله ص تنبيه على التحدي والثالث : أن يكون صاد اسما للسورة، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر، ولما كان المشهور أن محمدا عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة، كان قوله هذه ص جاريا مجرى قوله : هذه هي السورة المعجزة، ونظيره قولك هذا حاتم واللّه، أي هذا هو المشهور / بالسخاء والجواب : عن السؤال الثاني أن الحكم المذكور قبل كلمة بَلِ «١» أما
(١) الحكم الذي قبل كلمة (بل) هو وصف القرآن بأنه تذكير لهم بوجوب التوحيد والإيمان باللّه ورسله واليوم الآخر وكل ما تفيده كلمة ذي الذكر وهذا هو الحكم المتبادر من ظاهر الآية، وبهذا يكون للإضراب ببل معنى ويجري الكلام على الأساليب العرابية. فهو قبيل الاستنتاج والاعتماد على ما جاء بعد (بل) من الآيات والإضراب لا يكون عن حكم لم يذكر.