مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٥
الجزء الثامن والعشرون

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الأحقاف
وهي ثلاثون وخمس آيات مكية وقيل اربع وثلاثون آية
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١ إلى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)
اعلم أن نظم أول هذه السورة كنظم أول سورة الجاثية، وقد ذكرنا ما فيه.
وأما قوله ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ فهذا يدل على إثبات الإله بهذا العالم، ويدل على أن ذلك الإله يجب أن يكون عادلا رحيما بعباده، ناظرا لهم محسنا إليهم، ويدل على أن القيامة حق.
أما المطلوب الأول : وهو إثبات الإله بهذا العالم، وذلك لأن الخلق عبارة عن التقدير، وآثار التقدير ظاهرة في السموات والأرض من الوجوه العشرة المذكورة في سورة الأنعام، وقد بينا أن تلك الوجوه تدل على وجود الإله القادر المختار.
وأما المطلوب الثاني : وهو إثبات أن إله العالم عادل رحيم فيدل عليه قوله تعالى : إِلَّا بِالْحَقِّ لأن قوله إِلَّا بِالْحَقِّ معناه إلا لأجل الفضل والرحمة والإحسان، وأن الإله يجب أن يكون فضله زائدا وأن يكون إحسانه راجحا، وأن يكون وصول المنافع منه إلى المحتاجين أكثر من وصول المضار إليهم، قال الجبائي هذا يدل على أن كل ما بين السموات والأرض من القبائح فهو ليس من خلقه بل هو من أفعال عباده، وإلا لزم أن يكون خالقا لكل باطل، وذلك ينافي قوله ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان : ٣٩] أجاب أصحابنا وقالوا :
خلق الباطل غير، والخلق بالباطل غير، فنحن نقول إنه هو الذي خلق الباطل إلا أنه خلق ذلك الباطل بالحق


الصفحة التالية
Icon