مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٧٧

بسم اللّه الرحمن الرّحيم

سورة المجادلة
وهي عشرون وآيتان مدنية
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)
روي أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رآها زوجها وهي تصلي، وكانت حسنة الجسم، وكان بالرجل لمم، فلما سلمت راودها، فأبت، فغضب، وكان به خفة فظاهر منها، فأتت رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم وقالت : إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خلا سني وكثر ولدي جعلني كأمه، وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، ثم هاهنا روايتان : يروي أنه عليه السلام قال لها :«ما عندي في أمرك شي ء» وروي أنه عليه السلام قال لها :«حرمت عليه» فقالت : يا رسول اللَّه ما ذكر طلاقا، وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال :«حرمت عليه» فقالت : أشكو إلى اللَّه فاقتي ووجدي، وكلما قال رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم :«حرمت عليه» هتفت وشكت إلى اللَّه، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى زوجها، وقال :«ما حملك على ما صنعت؟ فقال : الشيطان فهل من رخصة؟ فقال : نعم، وقرأ عليه الأربع آيات، وقال له : هل تستطيع العتق؟ فقال : لا واللَّه، فقال : هل تستطيع الصوم؟ فقال : لا واللّه لولا أني آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري ولظننت أني أموت، فقال له : هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ فقال : لا واللَّه يا رسول اللَّه إلا أن تعينني منك بصدقة، فأعانه بخمسة عشر صاعا، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكينا»
واعلم أن في هذا الخبر مباحث :
الأول : قال أبو سليمان الخطابي : ليس المراد من قوله في هذا الخبر :(و كان به لمم)، الخبل والجنون إذ لو كان به ذلك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء، بل معنى اللمم هنا : الإلمام بالنساء، وشدة الحرص، والتوقان إليهن.
البحث الثاني : أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية، لأنه في التحريم أوكد ما يمكن، وإن كان ذلك الحكم صار مقررا بالشرع كانت الآية ناسخة له، وإلا لم يعد نسخا، لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع لا في عادة الجاهلية، لكن الذي
روي أنه صلى اللّه عليه وسلم قال لها :«حرمت»
أو
قال :«ما أراك إلا قد حرمت»
كالدلالة على أنه كان شرعا. وأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك.


الصفحة التالية
Icon