مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٥١
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
سورة التغابن(ثمان عشرة آية مكية)
[سورة التغابن (٦٤) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)وجه التعلق بما قبلها ظاهر لما أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين وهذه السورة للمنافقين الصادقين، وأيضا تلك السورة مشتملة على بطالة أهل النفاق سرا وعلانية، وهذه السورة على ما هو التهديد البالغ لهم، وهو قوله تعالى : يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وأما الأول بالآخر فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما مر، وفي أول هذه إشارة إلى أنهم إن أعرضوا عن الذكر والشكر، قلنا : من الخلق قوم يواظبون على الذكر والشكر دائما، وهم الذين يسبحون، كما قال تعالى : يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وقوله تعالى : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ معناه إذا سبح للَّه ما في السموات وما في الأرض فله الملك وله الحمد، ولما كان له الملك فهو متصرف في ملكه والتصرف مفتقر إلى القدرة فقال : وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال في «الكشاف» : قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد باللَّه تعالى وذلك لأن الملك في الحقيقة له لأنه مبدئ لكل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه، وكذلك الحمد فإن أصول النعم وفروعها منه، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمده اعتداد بأن نعمة اللَّه جرت على يده، وقوله تعالى : وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قيل : معناه وهو على كل شيء أرادة قدير، وقيل : قدير يفعل ما يشاء بقدر ما يشاء لا يزيد عليه ولا ينقص. وقد مر ذلك، وفي الآية مباحث :
الأول : أنه تعالى قال في الحديد : سَبَّحَ [الحديد : ١] والحشر والصف كذلك، وفي الجمعة والتغابن يُسَبِّحُ لِلَّهِ فما الحكمة فيه؟ نقول : الجواب عنه قد تقدم.
البحث الثاني : قال في موضع : سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الحشر : ١] وفي موضع / آخر سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الحديد : ١] فما الحكمة فيه؟ قلنا : الحكمة لا بد منها، ولا نعلمها كما هي، لكن نقول : ما يخطر بالبال، وهو أن مجموع السموات والأرض شيء واحد، وهو عالم مؤلف من الأجسام الفلكية والعنصرية، ثم الأرض من هذا المجموع شيء والباقي منه شيء آخر، فقوله تعالى : يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بالنسبة إلى هذا الجزء من المجموع وبالنسبة إلى ذلك الجزء منه كذلك، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال، قال تعالى في بعض السور كذا وفي البعض هذا ليعلم أن هذا العالم الجسماني من وجه شيء واحد، ومن وجه شيئان بل أشياء كثيرة، والخلق في المجموع غير ما في هذا الجزء، وغير ما في