مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٢٠

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الحاقة
خمسون وآيتان مكية
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ إلى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)
المسألة الأولى : أجمعوا على أن الحاقة هي القيامة واختلفوا في معنى الحاقة على وجوه : أحدها : أن الحق هو الثابت الكائن، فالحاقة الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها وثانيها : أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها وثالثها : أنها ذوات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق، والثواب والعقاب وغيرهما من أحوال القيامة أمور واجبة الوقوع والوجود فهي كلها حواق ورابعها : أن الحاقة بمعنى الحقة والحقة أخص من الحق وأوجب تقول : هذه حقتي أي حقي، وعلى هذا الحاقة بمعنى الحق، وهذا الوجه قريب من الوجه الأول وخامسها : قال الليث : الْحَاقَّةُ النازلة التي حقت بالجارية فلا كاذبة لها وهذا معنى قوله تعالى : لَيْسَ لِوَقْعَت
المسألة الثانية
جهين الأول : وهو الذي قاله الزجاج : أنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب، وهو قوله تعالى : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ [الحاقة : ٦] وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تكون المناسبة حاصلة والثاني : وهو الذي قاله القاضي : وهو أنه لو كان المراد ما قالوه، لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها والقول الثالث : بِالطَّاغِيَةِ أي بالفرقة التي طغت من جملة ثمود، فتآمروا بعقر الناقة فعقروها، أي أهلكوا بشؤم فرقتهم الطاغية، ويجوز أن يكون المراد بالطاغية ذلك الرجل الواحد الذي أقدم على عقر الناقة وأهلك الجميع، لأنهم رضوا بفعله وقيل له طاغية، كما يقول : فلان راوية الشعر، وداهية وعلامة ونسابة.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٦]
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦)
الصرصر الشديدة الصوت لها صرصرة وقيل : الباردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها، وأما العاتية ففيها أقوال : الأول : قال الكلبي : عتت على خزنتها يومئذ، فلم يحفظوا كم خرج منها، ولم يخرج قبل ذلك، ولا بعده منها شيء إلا بقدر معلوم،
قال عليه الصلاة والسلام : طغى الماء على خزانه يوم / نوح، وعتت الريح على خزانها يوم عاد، فلم يكن لها عليها سبيل،
فعلى هذا القول : هي عاتية على الخزان الثاني : قال عطاء عن ابن عباس : يريد الريح عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء أو (استناد إلى جبل) «١»، فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم القول الثالث : أن هذا ليس من العتو الذي هو عصيان، إنما هو بلوغ الشيء وانتهاؤه ومنه قولهم : عتا النبت، أي بلغ منتهاه وجف، قال تعالى :
وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم : ٨] فعاتيه أي بالغة منتهاها في القوة والشدة.
(١) في الكشاف للزمخشري (لياذ بجبل) ٤ / ١٥٠ ط. دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon