مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٣٧

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة المعارج
أربعون وأربع آيات
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١ إلى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣)
اعلم أن قوله تعالى : سَأَلَ فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة، ومنهم من قرأه بغير همزة، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوها من التفسير : الأول : أن النضر بن الحرث لما قال : اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال : ٣٢] فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ومعنى قوله : سَأَلَ سائِلٌ أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى : يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان : ٥٥] قال ابن الأنباري : وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط، وتأويل الآية : سأل سائل عذابا واقعا، فأكد بالباء كقوله تعالى : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم : ٢٥] وقال صاحب الكشاف لما كان سَأَلَ معناه هاهنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من اللّه الثاني : قال الحسن وقتادة لما بعث اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون :
بعضهم لبعض سلوا محمدا لمن هذا العذاب وبمن يقع فأخبره اللّه عنه بقوله : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قال ابن الأنباري : والتأويل على هذا القول : سأل سائل عن عذاب والباء بمعنى عن، كقوله :
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
وقال تعالى : فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان : ٥٩] وقال صاحب «الكشاف» : سَأَلَ على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل : اهتم مهتم بعذاب واقع الثالث : قال بعضهم : هذا السائل هو رسول اللّه استعجل بعذاب الكافرين، فبين اللّه أن هذا العذاب واقع بهم، فلا دافع له قالوا : والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية : فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [المعارج : ٥] وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل، أما القراءة الثانية وهي (سال) بغير همز فلها وجهان : أحدهما : أنه أراد سَأَلَ بالهمزة فخفف وقلب قال :
سألت قريش رسول اللّه فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
والوجه الثاني : أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى


الصفحة التالية
Icon