مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧١٩

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة القيامة
أربعون آية مكية
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١ إلى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : المفسرون ذكروا في لفظة (لا) في قوله : لا أُقْسِمُ ثلاثة أوجه : الأول : أنها صلة زائدة والمعنى أقسم بيوم القيامة ونظيره لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد : ٢٩] وقوله : ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف : ١٢] فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران : ١٥٩] وهذا القول عندي ضعيف من وجوه :
أولها : أن تجويز هذا يفضي إلى الطعن في القرآن، لأن على هذا التقدير يجوز جعل النفي إثباتا والإثبات نفيا وتجويزه يفضي إلى أن لا يبقى الاعتماد على إثباته ولا على نفيه وثانيها : أن هذا الحرف إنما يزاد في وسط الكلام لا في أوله، فإن قيل :[فال] كلام عليه من وجهين : الأول : لا نسلم أنها إنما تزاد في وسط الكلام، ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته وهي قوله :
لا وأبيك ابنة العامري لا يدعى القوم أني أفر
الثاني : هب أن هذا الحرف لا يزاد في أول الكلام إلا أن القرآن كله كالسورة الواحدة لاتصال بعضه ببعض، والدليل عليه أنه قد يذكر الشيء في سورة ثم يجيء جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر : ٦] ثم جاء جوابه في سورة أخرى وهو قوله : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم : ٢] وإذا كان كذلك، كان أول هذه السورة جاريا مجرى وسط الكلام والجواب عن الأول : أن قوله لا وأبيك قسم عن النفي، وقوله : لا أُقْسِمُ نفي للقسم، فتشبيه أحدهما بالآخر غير جائز، وإنما قلنا : إن قوله لا أقسم نفي للقسم، لأنه على وزان قولنا لا أقتل لا أضرب، لا أنصر، ومعلوم أن ذلك يفيد النفي.
والدليل عليه أنه لو حلف لا يقسم كان البر بترك القسم، والحنث بفعل القسم، فظهر أن البيت المذكور، ليس من هذا الباب وعن الثاني : أن القرآن كالسورة الواحدة في عدم التناقض، فإما في أن يقرن بكل آية ما قرن بالآية الأخرى فذلك غير جائز، لأنه يلزم جواز أن يقرن بكل إثبات حرف النفي في سائر الآيات، وذلك يقتضي انقلاب كل إثبات نفيا وانقلاب كل نفي إثباتا، وإنه لا يجوز وثالثها : أن المراد من قولنا : لا صلة أنه لغو باطل، يجب طرحه وإسقاطه حتى ينتظم الكلام، ومعلوم أن وصف كلام اللّه تعالى بذلك / لا يجوز القول الثاني :


الصفحة التالية
Icon