مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١١٧

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الطارق
سبع عشرة آية مكية وهي مشتملة على الترغيب في معرفة المبدأ والمعاد
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ إلى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)
[قوله تعالى وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ إلى قوله النَّجْمُ الثَّاقِبُ ] اعلم أنه تعالى أكثر في كتابه ذكر السماء والشمس والقمر لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة، وأما الطارق فهو كل ما أتاك ليلا سواء كان كوكبا أو غيره فلا يكون الطارق نهارا، والدليل عليه قول المسلمين في دعائهم : نعوذ باللّه من طوارق الليل وروي أنه عليه السلام :«نهى عن أن يأتي الرجل أهله طروقا»
والعرب تستعمل الطروق في صفة الخيال لأن تلك الحالة إنما تحصل في الأكثر في الليل، ثم إنه تعالى لما قال : وَالطَّارِقِ كان هذا مما لا يستغنى سامعه عن معرفة المراد منه، فقال : وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ قال سفيان بن عيينة : كل شيء في القرآن ما أدراك فقد أخبر الرسول به وكل شيء فيه ما يدريك لم يخبر به كقوله : وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى : ١٧] ثم قال : النَّجْمُ الثَّاقِبُ أي هو طارق عظيم الشأن، رفيع القدر وهو النجم الذي يهتدى به في ظلمات البر والبحر ويوقف به على أوقات الأمطار، وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : إنما وصف النجم بكونه ثاقبا لوجوه أحدها : أنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل :
دريء لأنه يدرؤه أي يدفعه وثانيها : أنه يطلع من المشرق نافذا في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء وثالثها : أنه الذي يرى به الشيطان فيثقبه أي ينفذ فيه ويحرقه ورابعها : قال الفراء : النَّجْمُ الثَّاقِبُ هو النجم المرتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا : قد ثقب.
المسألة الثانية : إنما وصف النجم بكونه طارقا، لأنه يبدو بالليل، وقد عرفت أن ذلك يسمى طارقا، أو لأنه يطرق الجني، أي صكه.
المسألة الثالثة : اختلفوا في قوله : النَّجْمُ الثَّاقِبُ قال بعضهم : أشير به إلى جماعة النحو / فقيل الطارق، كما قيل : إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر : ٢] وقال آخرون : إنه نجم بعينه، ثم قال ابن زيد : إنه


الصفحة التالية
Icon