مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٦٤

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة البلد
عشرون آية مكية
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ إلى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
[في قوله تعالى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ] أجمع المفسرون على أن ذلك البلد هي مكة، واعلم أن فضل مكة معروف، فإن اللّه تعالى جعلها حرما آمنا، فقال في المسجد الذي فيها وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران : ٩٧] وجعل ذلك المسجد قبلة لأهل المشرق والمغرب، فقال : وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة : ١٤٤] وشرف مقام إبراهيم بقوله :
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة : ١٢٥] وأمر الناس بحج ذلك البيت فقال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران : ٩٧] وقال في البيت : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً [البقرة : ١٢٥] وقال : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج : ٢٦] وقال : وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج : ٢٧] وحرم فيه الصيد، وجعل البيت المعمور بإزائه، ودحيت الدنيا من تحته، فهذه الفضائل وأكثر منها لما اجتمعت في مكة لا جرم أقسم اللّه تعالى بها، فأما قوله : وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ فالمراد منه أمور أحدها : وأنت مقيم بهذا البلد نازل فيه حال به، كأنه تعالى عظم مكة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام مقيم بها وثانيها : الحل بمعنى الحلال، أي أن الكفار يحترمون هذا البلد ولا ينتهكون فيه المحرمات، ثم إنهم مع ذلك ومع إكرام اللّه تعالى إياك بالنبوة يستحلون إيذاءك ولو تمكنوا منك لقتلوك، فأنت حل لهم في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك، عن شرحبيل : يحرمون أن يقتلوا بها صيدا أو يعضوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجيب له من حالهم في عدوانهم له وثالثها : قال قتادة : وَأَنْتَ حِلٌّ أي لست بآثم، وحلال لك أن تقتل بمكة من شئت، وذلك أن اللّه تعالى فتح عليه مكة وأحلها له، وما فتحت على أحد قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء وفعل ما شاء، فقتل عبد اللّه بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرم دار أبي سفيان، ثم /
قال :«إن اللّه حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي، ولن


الصفحة التالية
Icon