مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٦٩

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة التكاثر
ثمان آيات مكية
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ إلى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : الإلهاء الصرف إلى اللهو واللهو الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى، ومعلوم أن الانصراف إلى الشيء يقتضي الإعراض عن غيره، فلهذا قال أهل اللغة : ألهاني فلان عن كذا أي أنساني وشغلني، ومنه
الحديث :«أن الزبير كان سمع صوت الرعد لهى عن حديثه»
أن تركه وأعرض عنه، وكل شيء تركته فقد لهيت عنه، والتكاثر التباهي بكثرة المال والجاه والمناقب يقال : تكاثر القوم تكاثرا إذا تعادلوا ما لهم من كثرة المناقب، وقال أبو مسلم : التكاثر تفاعل من الكثرة والتفاعل يقع على أحد وجوه ثلاثة يحتمل أن يكون بين الإثنين فيكون مفاعله، ويحتمل تكلف الفعل تقول : تكارهت على كذا إذا فعلته وأنت كاره، وتقول :
تباعدت عن الأمر إذا تكلفت العمى عنه وتقول : تغافلت، ويحتمل أيضا الفعل بنفسه كما تقول : تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه، ولفظ التكاثر في هذه الآية ويحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة لأنه كم من إثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه : أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف : ٣٤] ويحتمل تكلف الكثرة فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله، واعلم أن التفاخر والتكاثر شيء واحد ونظير هذه الآية قوله تعالى : وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ [الحديد : ٢٠].
المسألة الثانية : اعلم أن التفاخر إنما يكون بإثبات الإنسان نوعا من أنواع السعادة لنفسه، وأجناس السعادة ثلاثة :
فأحدها : في النفس والثانية : في البدن والثالثة : فيما يطيف بالبدن من خارج، أما التي في النفس فهي العلوم والأخلاق الفاضلة وهما المرادان بقوله حكاية عن إبراهيم : رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء : ٨٣] وبهما ينال البقاء الأبدي والسعادة السرمدية.
وأما التي في البدن فهي الصحة والجمال وهي المرتبة الثانية، وأما التي تطيف بالبدن من خارج فقسمان :
أحدهما : ضروري وهو المال والجاه والآخر غير ضروري وهو الأقرباء والأصدقاء / وهذا الذي عددناه في


الصفحة التالية
Icon