مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٨٣

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الهمزة
تسع آيات مكية
[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : الويل لفظة الذم والسخط، وهي كلمة كل مكروب يتولون فيدعو بالويل وأصله وي لفلان ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام، وروي أنه جبل في جهنم
إن قيل : لم قال : هاهنا : وَيْلٌ وفي موضع آخر : وَلَكُمُ الْوَيْلُ [الأنبياء : ١٨]؟ قلنا : لأن ثمة قالوا : يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ [الأنبياء : ١٤] فقال :
وَلَكُمُ الْوَيْلُ وهاهنا نكر لأنه لا يعلم كنهه إلا اللّه، وقيل : في ويل إنها كلمة تقبيح، وويس استصغار وويح ترحم، فنبه بهذا على قبح هذا الفعل، واختلفوا في الوعيد الذي في هذه السورة هل يتناول كل من يتمسك بهذه الطريقة في الأفعال الرديئة أو هو مخصوص بأقوام معينين، أما المحققون فقالوا : إنه عام لكل من يفعل هذا الفعل كائنا من كان وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ وقال آخرون : إنه مختص بأناس معينين، ثم قال عطاء والكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق كان يلمز الناس ويغتابهم وخاصة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى اللّه عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه، وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن هذه السورة نزلت في أمية بن خلف، قال الفراء : وكون اللفظ عاما لا ينافي أن يكون المراد منه شخصا معينا، كما أن إنسانا لو قال لك لا أزورك أبدا فتقول : أنت كل من لم يزرني لا أزوره وأنت إنما تريده بهذه الجملة العامة «١» وهذا هو المسمى في أصول الفقه بتخصيص العام بقرينة العرف.
المسألة الثانية : الهمز الكسر قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ [القلم : ١١] واللمز الطعن والمراد الكسر من أعراض الناس والغض منهم والطعن فيهم قال تعالى : وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات : ١١] وبناء فعله يدل على أن ذلك عادة منه قد ضري بها ونحوهما اللعنة والضحكة، وقرئ : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ بسكون الميم وهي المسخرة التي تأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم وللمفسرين ألفاظا أحدها : قال ابن عباس :
الهمزة المغتاب، واللمزة العياب وثانيها : قال أبو زيد : الهمزة باليد واللمزة / باللسان وثالثها : قال أبو العالية :
الهمزة بالمواجهة واللمزة بظهر الغيب ورابعها : الهمزة جهرا واللمزة سرا بالحاجب والعين وخامسها : الهمزة واللمزة الذي يلقب الناس بما يكرهون وكان الوليد بن المغيرة يفعل ذلك، لكنه لا يليق بمنصب الرياسة إنما
(١) في الأصل بهذه العامة وبالجملة هذا إلخ، ولعل العبارة محرفة عما أصلحناه به.


الصفحة التالية
Icon