مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٩٤
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة قريشوهي أربع آيات مكية
[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ١ إلى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢)لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ اعلم أن هاهنا مسائل :
المسألة الأولى : اللام في قوله : لِإِيلافِ تحتمل وجوها ثلاثة، فإنها إما أن تكون متعلقة بالسورة التي قبلها أو بالآية التي بعدها، أو لا تكون متعلقة لا بما قبلها، ولا بما بعدها أما الوجه الأول : وهو أن تكون متعلقة بما قبلها، ففيه احتمالات :
الأول : وهو قول الزجاج وأبي عبيدة أن التقدير : فجعلهم كعصف مأكول لإلف قريش أي أهلك اللّه أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف، فإن قيل : هذا ضعيف لأنهم إنما جعلوا كعصف مأكول لكفرهم ولم يجعلوا كذلك لتأليف قريش، قلنا هذا السؤال ضعيف لوجوه أحدها : أنا لا نسلم أن اللّه تعالى إنما فعل بهم ذلك لكفرهم، فإن الجزاء على الكفر مؤخر للقيامة، قال تعالى : الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [غافر : ١٧] وقال : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر : ٤٥] ولأنه تعالى لو فعل بهم ذلك لكفرهم، لكان قد فعل ذلك بجميع الكفار، بل إنما فعل ذلك بهم لإيلاف قريش ولتعظيم منصبهم وإظهار قدرهم وثانيها : هب أن زجرهم عن الكفر مقصود لكن لا ينافي كون شيء آخر مقصود حتى يكون الحكم واقعا بمجموع الأمرين معاو ثالثها : هب أنهم أهلكوا لكفرهم فقط، إلا أن ذلك الإهلاك لما أدى إلى إيلاف قريش جاز أن يقال : أهلكوا لإيلاف قريش، كقوله تعالى : لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص : ٨] وهم لم يلتقطوه لذلك، لكن لما آل الأمر إليه حسن أن يمهد عليه الالتقاط.
الاحتمال الثاني : أن يكون التقدير : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل لإيلاف قريش كأنه تعالى قال :
كل ما فعلنا بهم فقد فعلناه لإيلاف قريش، فإنه تعالى جعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل، حتى صاروا كعصف مأكول، فكل ذلك إنما كان لأجل إيلاف قريش.
الاحتمال الثالث : أن تكون اللام في قوله : لِإِيلافِ بمعنى إلى كأنه قال : فعلنا كل ما فعلنا في السورة المتقدمة إلى نعمة أخرى عليهم وهي إيلافهم رحلة الشتاء والصيف تقول : نعمة اللّه نعمة ونعمة لنعمة