القول في تأويل قوله تعالى: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) ﴾
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا: هيهات هيهات: أي بعيد ما توعدون أيه القوم، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياءً من قبوركم، يقولون: ذلك غير كائن.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ) يقول: بعيد بعيد.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) قال: يعني البعث. والعرب تُدخل اللام مع هيهات في الاسم الذي يصحبها وتنزعها منه، تقول: هيهات لك هيهات، وهيهاتَ ما تبتغي هيهات; وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات، كأنه قال: بعيد ما ينبغي لك; كما قال جرير:
فَهَيْهَاتَ هَيْهَات العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ... وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالْعَقِيقِ نُواصِلُهْ (١)
كأنه قال: العقيق وأهله، وإنما أدخلت اللام مع هيهات في الاسم، لأنهم قالوا: هيهات أداة غير مأخوذة من فعل، فأدخلوا معها في الاسم اللام، كما أدخلوها مع هلمّ

(١) البيت لجرير بن عطية الخطفي (لسان العرب: هيه). والرواية فيه: "العقيق وأهله " وفي الديوان (طبعة الصاوي ص٤٧٩). فأيهاتَ أيهاتَ العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ... وأيهاتَ وَصْلٍّ بالعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ
وهو من قصيدة يجيب بها الفرزدق. والعقيق: واد لبنى كلاب، نقله البكري في معجم ما استعجم، عن عمارة بن عقيل، وهيهات وأيهات: كلمة معناها البعد، وقيل هيهات كلمة تبعيد قال جرير: " فهيهات... " البيت. والتاء مفتوحة مثل كيف، وأصلها هاء، وناس يكسرونها على كل حال، قال حميد الأرقط يصف إبلا قطعت بلادًا حتى صارت في القفار: هَيْهاتَ مَنْ مُصْبَحُهَا هيهات... هَيْهَات حَجْرٌ مِنْ صُنَيْبِعَاتِ
وقال الفراء: نصب هيهات بمنزلة نصب ربة وثمة، وأنشد: مَاوِيَّ يا رُبَّتَما غَارَةٍ... شَعْوَاءَ كاللَّذْعَةِ بِالمِيسَمِ


الصفحة التالية
Icon