يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف. (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) يقول: وما يتذللون له.
وذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ حين أخذ الله قريشا بسني الجدب، إذ دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الخبر في ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز! يعني الوبر والدم، فأنزل الله: (ولقد أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن ابن أثال الحنفي، لما أتى النبيّ ﷺ وهو أسير، فخلى سبيله، فلحق بمكة، فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة، حتى أكلت قريش العِلْهِز، فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس تزعم بأنك بُعثت رحمة للعالمين؟ فقال: "بلى! " فقال: قد قتلتَ الآباء بالسيف والأبناء بالجوع! فأنزل الله: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ... ) الآية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: أخبرنا عمرو، قال: قال الحسن: إذا أصاب الناس من قِبَل الشيطان بلاء، فإنما هي نقمة، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية، ولكن استقبلوها بالاستغفار، وتضرعوا إلى الله، وقرأ هذه الآية: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ) قال: الجوع والجدب. (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) فَصَبَرُوا (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) ﴾