تفسير التستري، ص : ١٣٦
السورة التي يذكر فيها غافر
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤)كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥)
قوله تعالى : حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [١- ٢] قال : يعني الحي الملك هو الذي أنزل عليك الكتاب، وهو الذي قلبت به قلوب العارفين العزيز عن درك الخلق العليم بما أنشأ وقدر. غافِرِ الذَّنْبِ [٣] أي ساتر الذنب على من يشاء، وَقابِلِ التَّوْبِ [٣] عمن تاب وأخلص العمل له بالعلم، ذِي الطَّوْلِ [٣] ذي الغنى عن الكل، ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ [٤] يعني في الذات والقدرة والقرآن والسنة بهوى النفس، كما قال : وَجادَلُوا بِالْباطِلِ [٥] أي بالهوى من غير هدى من اللّه، كما قال : فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران : ٦٦] إلا الذين كفروا وابتدعوا غير الحق.
[سورة غافر (٤٠) : آية ٧]
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧)
قوله : فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا [٧] قال : هم الذين تابوا من الغفلة، وأنسوا بالذكر، واتبعوا سنة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم.
[سورة غافر (٤٠) : آية ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠)
قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [١٠] قال : المقت غاية الإبعاد من اللّه عزّ وجلّ، والكفار إذا دخلوا النار مقتوا أنفسهم، ومقت اللّه عملهم أشد من دخول النار.
[سورة غافر (٤٠) : آية ١٥]
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥)
قوله تعالى : رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ [١٥] أي رافع الدرجات يرفع درجات من يشاء بالمعرفة به، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ [١٥] أي ينزل الوحي من السماء إلى الأرض بأمره.
[سورة غافر (٤٠) : آية ٦٠]
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)
قوله : وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [٦٠] قال : الدعاء بالمروة مستجاب لا محالة، وهو الجمع «١» من سهم الرامي، وما من مؤمن دعا اللّه تعالى إلا استجاب له فيما دعاه بعينه، من غير أن يعلم ذلك العبد، أو صرف عنه بذلك سوءا، أو كتب له بذلك حسنة. فقيل له :
ما معنى قولهم :«الدعاء أفضل العمل» «٢»؟ فقال : لأنه تضرع والتجاء وإظهار الفقر والفاقة.
[سورة غافر (٤٠) : آية ٨١]
وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١)
قوله : يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
[٨١] قال : أظهر اللّه تعالى آياته لأوليائه وجعل السعيد من عباده من صدقهم على كراماتهم، وأعمى أعين الأشقياء عن ذلك وصرف قلوبهم عنه، ومن أنكر آيات الأولياء فإنما ينكر قدرة اللّه تعالى، فإن القدرة تظهر على الأولياء الآيات، لا هم أنفسهم يقدرون على إظهارها، كما قال : يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
[٨١].
[سورة غافر (٤٠) : آية ٨٥]
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)
قوله : سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [٨٥] قال : السنة مشتقة من أسماء اللّه تعالى السين سناؤه والنون نوره والهاء هدايته منه إياهم، فهم على سنن الطريق الواضح إليه.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
________
(١) كذا في الأصل.
(٢) فيض القدير ٢/ ٤٤.