تفسير التستري، ص : ١٦١
السورة التي يذكر فيها الحديد
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٣ الى ٤]
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)
قوله تعالى : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [٣] قال : اسم اللّه الأعظم مكنى عنه في ست آيات من أول سورة الحديد من قوله : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [٣] وليس المعنى في الأسماء إلا المعرفة بالمسمى، والمعنى في العبادة إلا المعرفة في العبودية. ومعنى الظاهر ظاهر العلو والقدرة والقهر، والباطن الذي عرف ما في باطن القلوب من الضمائر والحركات.
قوله تعالى : يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ [٤] قال : باطن الآية الأرض نفس الطبع، فيعلم ما يدخل القلب الذي فيها له من الصلاح والفساد.
وَما يَخْرُجُ مِنْها [٤] من فنون الطاعات، فتبين آثارها وأنوارها على الجوارح.
وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ [٤] عليها من آداب اللّه تعالى إياه. وَما يَعْرُجُ فِيها [٤] إلى اللّه من الروائح الطيبة والذكر.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٦ الى ٧]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)
قوله تعالى : وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [٦] قال : باطنها الليل نفس الطبع والنهار نفس الروح، فإذا أراد اللّه تعالى بعبده خيرا ألّف بين طبعه ونفس روحه على إدامة الذكر، فأظهر ذلك على مقابلة أنوار الخشوع.
قوله تعالى : آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [٧] قال : يعني ورثكم من آبائكم وملككم، فأنفقوا عيش أنفسكم الطبيعية من الدنيا في طاعته وطاعة رسوله.
فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا [٧] أعمارهم في الوجوه التي أمرهم اللّه بالإنفاق فيها.
لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [٧] وهو البقاء مع الباقي في جنته ورضاه.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١١ الى ١٣]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)
قوله تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [١١] قال : أعطى اللّه عباده فضلا، ثم سألهم قرضا حسنا، والقرض الحسن المشاهدة فيه، كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«اعبد اللّه كأنك تراه» «١».
وحكي عن أبي حازم أنه قال : إن بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا من أوان كسادها، فإذا جاء يوم نفاقها لم تقدروا منها على قليل ولا على كثير «٢».
________
(١) صحيح البخاري : الإيمان، ٥٠ وصحيح مسلم : الإيمان، ٨ وسنن أبي داود رقم ٤٦٩٥.
(٢) الحلية ٣/ ٢٤٢ وصفوة الصفوة ٢/ ١٦٣.