تفسير التستري، ص : ١٨٦
السورة التي يذكر فيها الحافرة (النازعات)
[سورة النازعات (٧٩) : آية ٤]
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)
قوله تعالى : فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً [٤] قال : يعني أرواح المؤمنين سبقت بالخير والموافقة فسبقت إلى ملك الموت بالإجابة، شوقا إلى ربها فخرجت في أطيب ريح وأكمل سرور.
[سورة النازعات (٧٩) : آية ١٦]
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦)
قوله تعالى : إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً [١٦] قال : جوّع موسى نفسه طاويا عابدا للّه تعالى، ثم ناداه ربه ليكون إليه أبلغ.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨)
قوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا [٣٧- ٣٨] أي قال : جحد حقوق اللّه وكفر نعمته، وآثر الحياة الدنيا اتباعا في طلب الشهوات ومتابعة المراد، ثم قال : ما طلعت شمس ولا غربت على أحد إلا وهو جاهل، إلا من يؤثر اللّه تعالى على نفسه وروحه ودنياه وآخرته. قيل : ما علامة بغض الدنيا؟ قال : أن تهون عليه المصائب، حتى نفسه وولده، كما قال مسلم بن يسار «١» حين مات ولده : يا بني، شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، اللهم إني قد جعلت ثوابك لي عليه له «٢»، والثاني يهون عليه نعيم الدنيا ولو روحه، والثالث لا يكون شيء أقرب إليه من اللّه عزّ وجلّ، كقول عامر بن عبد القيس : ما نظرت إلى شيء إلا رأيت اللّه أقرب إليه مني «٣».
[سورة النازعات (٧٩) : آية ٤٠]
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠)
قوله تعالى : وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى [٤٠] قال : لا يسلم من الهوى إلا نبي وبعض الصديقين ليس كلهم، وإنما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب، وليس يصفو الأدب إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الصديقين، وكذلك الأخلاق.
وخرج ابن السماك «٤» يوما إلى أصحابه وقد اجتمعوا إليه فقال لهم : قد كثرت عظاتي لكم، تريدون دوائي لكم، قالوا : نعم. قال : خالفوا أهواءكم، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
________
(١) مسلم بن يسار الأموي بالولاء (...- ١٠٨ ه) : فقيه، ناسك، من رجال الحديث. أصله من مكة.
سكن البصرة، فكان مفتيها، وتوفي فيها. (الحلية ٢/ ٢٩٠).
(٢) نسب هذا القول إلى عمر بن ذر لما دفن ابنه ذر بن عمر، انظر قوله في الحلية ٥/ ١٠٨- ١٠٩ وتهذيب الكمال ٢١/ ٣٣٨.
(٣) نوادر الأصول ٤/ ٧٤، وفيه (منه) مكان (إليه مني)، وفيه أيضا أن محمد بن واسع قال :(ما نظرت إلى شيء إلا رأيت اللّه فيه).
(٤) محمد بن صبيح بن السماك (...- ١٨٣ ه) : الواعظ، الكوفي. كان في زمن هارون الرشيد. روى عنه الأعمش، وروى عنه الإمام أحمد. (الحلية ٨/ ٢٠٣ وسير أعلام النبلاء ٨/ ٣٢٨).


الصفحة التالية
Icon