تفسير التستري، ص : ٢٠٥
قال : وأتاه رجل فقال له : يا أويس كيف أصبحت؟ أو قال : وكيف أمسيت؟ قال : أحمد اللّه على كل حال، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن أنه لا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحا، وإن حق اللّه عزّ وجلّ في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهبا، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقا، نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا، حتى واللّه لقد قذفوني بالعظائم، وأيم اللّه لا أدع أن أقوم للّه فيهم بحقه، ثم أخذ الطريق «١». فهذا أويس قد بلغ هذا المقام في الصبر. واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الهمزة
[سورة الهمزة (١٠٤) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣)قوله تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [١] يعني المغتاب إذا غاب الرجل عنه اغتابه.
لُمَزَةٍ [١] يعني الطاعن إذا رآه طعن فيه، نزلت في الوليد بن المغيرة.
الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ [٢] قال : استعبد ماله لدنياه.
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ [٣] قال : أي أخلده لدار البقاء. وقيل : أخلده من الموت.
[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ٦]
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦)
قوله تعالى : نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [٦] أي لا تخمد بأكل الجلد واللحم، حتى يخلص حرها إلى القلوب. والنيران أربعة : نار الشهوة ونار الشقاوة ونار القطيعة ونار المحبة. فنار الشهوة تحرق الطاعات، ونار الشقاوة تحرق التوحيد، ونار القطيعة تحرق القلوب، ونار المحبة تحرق النيران كلها.
ولقد حكي أن علي بن الحسين «٢» رضي اللّه عنه دخل مغارة مع أصحاب له، فرأى امرأة في المغارة وحدها، فقال لها : من أنت؟ قالت : أمة من إماء اللّه، إليك عني لا يذهب الحب. فقال لها علي رضي اللّه عنه : وما الحب؟ قالت : أخفى من أن يرى، وأبين من أن يخفى، كمونه في الحشاء ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى وإن تركته توارى «٣»، ثم أنشأت تقول :
[من البسيط]
إنّ المحبين في شغل لسيّدهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
________
(١) كتاب الزهد الكبير ٢/ ٢١٩ وصفوة الصفوة ٣/ ٥٣ وسير أعلام النبلاء ٤/ ٣٠، ٣٣.
(٢) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (٣٨- ٩٤ ه) : يلقب بزين العابدين. أحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. كان يقوت مائة بيت سرا. (الأعلام ٤/ ٢٧٧).
(٣) ذم الهوى ص ٣٤٦ وربيع الأبرار ٤/ ٢٣ وتزيين الأسواق ص ٣٠ ومصارع العشاق ١/ ١٧٥، ٢/ ٢١٧ والظرف والظرفاء ص ١٥٩.